المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

154- ولن يؤدي الصبر إلا إلى الخير والسعادة في الدارين ، فلا تقعدوا عن الجهاد في سبيل الله ، ولا ترهبوا الموت فيه ، فمن مات في الجهاد فليس بميت بل هو حي حياة عالية وإن كان الأحياء لا يحسون بها .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

وقوله تعالى : { وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } يخبر تعالى أن الشهداء في بَرْزَخِهم أحياء يرزقون ، كما جاء في صحيح مسلم : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت{[2968]} ثم تأوي إلى قناديل مُعَلَّقة تحت العرش ، فاطَّلع عليهم ربك اطِّلاعَة ، فقال : ماذا تبغون ؟ فقالوا : يا ربنا ، وأيّ شيء نبغي ، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك ؟ ثم عاد إليهم بمثل هذا ، فلما رأوا أنهم لا يُتْرَكُون من أن يسألوا ، قالوا : نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا ، فنقاتل في سبيلك ، حتى نقتل فيك مرة أخرى ؛ لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جلّ جلاله : إني كتبتُ أنَّهم إليها لا يرجعون " {[2969]} .

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، عن الإمام الشافعي ، عن الإمام مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نَسَمَةُ المؤمن طائر تَعْلَقُ في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه " {[2970]} .

ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضًا ، وإن كان الشهداء قد خصِّصُوا {[2971]} بالذكر في القرآن ، تشريفًا لهم وتكريمًا وتعظيما{[2972]} .


[2968]:في أ: "حيث ما شاءت".
[2969]:صحيح مسلم برقم (1887) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ولفظه مختلف لكن معناه واحد.
[2970]:المسند (3/455).
[2971]:في جـ: "قد خصوا".
[2972]:في جـ: "تعظيما وتكريما".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } أي هم أموات { بل أحياء } أي بل هم أحياء . { ولكن لا تشعرون } ما حالهم ، وهو تنبيه على أن حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات ، وأنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل وبالوحي ، وعن الحسن { إن الشهداء أحياء عند ربهم تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح ، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع ) . والآية نزلت في شهداء بدر ، وكانوا أربعة عشر ، وفيها دلالة على أن الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقى بعد الموت داركة ، وعليه جمهور الصحابة والتابعين ، وبه نطقت الآيات والسنن ، وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله تعالى ، ومزيدة البهجة والكرامة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ( 154 )

وقوله تعالى : { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } الآية ، سببها أن الناس قالوا فيمن قتل ببدر وأحد مات فلان ومات فلان ، فكره الله أن تحط منزلة الشهداء إلى منزلة غيرهم ، فنزلت هذه الآية ، وأيضاً : فإن المؤمنين صعب عليهم فراق إخوانهم وقراباتهم فنزلت الآية مسلية لهم ، تعظم منزلة الشهداء ، وتخبر عن حقيقة حالهم ، فصاروا مغبوطين لا محزوناً لهم ، ويبين ذلك من حديث أم حارثة في السير( {[1429]} ) ، والفرق بين الشهيد وغيره إنما هو الرزق( {[1430]} ) ، وذلك أن الله تعالى فضلهم بدوام حالهم التي كانت في الدنيا فرزقهم .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة( {[1431]} ) ، وروي أنهم في قبة خضراء ، وروي أنهم في قناديل من ذهب ، إلى كثير من هذا ، ولا محالة أنها أحوال لطوائف( {[1432]} ) أو للجميع في أوقات متغايرة ، وجمهور العلماء على أنهم في الجنة ، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم حارثة : إنه في الفردوس ، وقال مجاهد : هم خارج الجنة ويعلقون من شجرها ، و { أموات } رفع بإضمار الابتداء والتقدير هم أموات ، ولا يجوز إعمال القول فيه لأنه ليس بينه وبينه تناسب كما يصح في قولك قلت كلاماً وحجة .

وقوله { ولكن لا تشعرون } أي قبل أن نشعركم( {[1433]} ) .


[1429]:- رواه البخاري في غزوة بدر عن أنس بن مالك، وأم حارثة هي الرُّبَيِّع – بالتصغير – بنت النضير، وحارثة هو ابن سراقة الأنصاري، قتل في بدر، وقوله: في السير – أي في المغازي.
[1430]:- يعني أنهم يرزقون من حين استشهادهم من مطاعم الجنة، على أنه قد ورد العموم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة). فقد عم المؤمنين، وأنهم يرزقون في البرزخ من رزق الجنة، ولكن لا مانع أن يخص الشهداء بقدر لا يناله غيرهم، والله أعلم. حديث: (إنما نسمة المؤمن) خرجه الإمام مالك في الموطأ.
[1431]:- روى ذلك الإمام مسلم وغيره، وقوله تعلق بضم اللام أي تأكل، يقال: علقت البهيمة الشجر علقاً: أكلت من ورقه.
[1432]:- معناه أن المنعّمين يكونون على جهات مختلفة بحسب مقاماتهم وتفاوتهم في أعمالهم وبهذا يجمع بين الأحاديث والأخبار في هذا الموضوع.
[1433]:- وقد أشعرهم الله بحياتهم في سورة البقرة هنا وفي سورة آل عمران، وذلك أن حياتهم أمر لا يدرك إلا بالوحي، ولا يدرك بالعقل، وقد جاء الوحي بحياتهم، فحياتهم روحية كما يشير إلى ذلك حديث: (إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر)، ففيه تفسير الحياة بأنها حياة روحية.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

قوله : { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء } عطف النهي على الأمر قبله لمناسبة التعرض للغزو مما يتوقع معه القتل في سبيل الله ، فلما أمروا بالصبر عرفوا أن الموت في سبيل الله أقوى ما يصبرون عليه ، ولكن نبه مع ذلك على أن هذا الصبر ينقلب شكراً عندما يَرى الشهيد كرامته بعد الشهادة ، وعندما يوقن ذووه بمصيره من الحياة الأبدية ، فقوله : { ولا تقولوا } نهي عن القول الناشىء عن اعتقاد ، ذلك لأن الإنسان لا يقول إلاّ ما يَعتقد فالمعنى ولا تعتقدوا ، والظاهر أن هذا تكميل لقوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } [ البقرة : 143 ] كما تقدَّم من حديث البراء فإنه قال : " قتل أناس قبل تحويل القبلة " فأعقب قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } بأن فضيلة شهادتهم غير منقوصة .

وارتفع { أمواتٌ } على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي لا تقولوا هم أموات .

و { بل } للإضراب الإبطالي إبطالاً لمضمون المنهي عن قوله ، والتقدير بل هم أحياء ، وليس المعنى بل قُولوا هم أحياء لأن المراد إخبار المخاطبين هذا الخبرَ العظيمَ ، فقوله : « أحْيَآء » هو خبر مبتدأ محذوف وهو كلام مستأنف بعد { بل } الإضرابية .

وإنما قال : { ولكن لا تشعرون } للإشارة إلى أنها حياةٌ غير جسمية ولا مادِّيَّة بل حياة روحية ، لكنها زائدة على مطلق حياة الأرواح ، فإن للأرواح كلها حياة وهي عدم الاضمحلال وقبول التجسد في الحَشْر مع إحساس ما بكونها آيلة إلى نعيم أو جحيم ، وأما حياة الذين قتلوا في سبيل الله فهي حياة مشتملة على إدراكات التنعم بلذات الجنة والعوالم العلوية والانكشافات الكاملة ، ولذلك ورد في الحديث " إن أرواح الشهداء تجعل في حواصل طيور خضر ترعى من ثمر الجنة وتشرب من مائها " . والحكمة في ذلك أن اتصال اللذات بالأرواح متوقف على توسط الحواس الجسمانية ، فلما انفصلت الروح عن الجسد عُوِّضت جسداً مناسباً للجنة ليكون وسيلة لنعميها .