لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات } نزلت فيمن قتل ببدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلاً ستة من المهاجرين وهم : عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وعمير بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أخو سعد بن أبي وقاص وذو الشمالين واسمه عمير بن عبد عمرو بن العاص بن نضلة بن عمرو بن خزاعة ثم بني غبشان وعاقل بن البكير من بني سعد بن ليث بن كنانة ومهجع مولى لعمر بن الخطاب ، وصفوان بن بيضاء من بني الحارث بن فهر ومن الأنصار ثمانية ، وهم سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد بن المنذر ، ويزيد بن الحارث بن قيس بن فسحم وعمير بن الحمام ورافع بن المعلى وحارثة بن سراقة ، وعوف ومعوذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد وهما ابنا عفراء وهي أمهما ، كان الناس يقولون لمن قتل في سبيل الله مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذاتها فأنزل الله تعالى هذا الآية ، وقيل : إن الكفار والمنافقين قالوا : إن الناس يقتلون أنفسهم ظلماً لمرضاة محمد من غير فائدة فنزلت هذا الآية وأخبر أن من قتل في سبيل الله فإنه حي بقوله تعالى : { بل أحياء } وإنما أحياهم الله عز وجل في الوقت لإيصال الثواب إليهم . وعن الحسن أن الشهداء أحياء عند الله تعالى تعرض أرزاقهم على أرواحهم ، ويصل إليهم الروح والريحان والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشياً فيصل إليهم ، الألم والوجع ففيه دليل على أن المطيعين لله يصل إليهم ثوابهم وهم في قبورهم في البرزخ وكذا العصاة يعذبون في قبورهم . فإن قلت : نحن نراهم موتى فما معنى قوله بل أحياء وما وجه النهي ، في قوله ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات . قلت : معناه لا تقولوا أموات بمنزلة غيرهم من الأموات بل هم أحياء تصل أرواحهم إلى الجنان كما ورد ، " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة " فهم أحياء من هذه الجهة ، وإن كانوا أمواتاً من جهة خروج الروح من أجسادهم ، وجواب آخر وهو أنهم أحياء عند الله تعالى في عالم الغيب ، لأنهم صاروا إلى الآخرة فنحن لا نشاهدهم كذلك ويدل على ذلك قوله تعالى : { ولكن لا تشعرون } أي لا ترونهم أحياء فتعلموا ذلك حقيقة ، وإنما تعلمون ذلك بإخباري إياكم به .

فإن قلت : ليس سائر المطيعين من المسلمين لله يصل إليهم من نعيم الجنة في قبورهم فلم خصص الشهداء بالذكر ؟ . قلت : إنما خصهم لأن الشهداء فضلوا على غيرهم بمزيد النعيم وهو أنهم يرزقون من مطاعم الجنة ومآكلها وغيرهم ينعمون بما دون ذلك ، وجواب آخر أنه رد لقول من قال : إن من قتل في سبيل الله قد مات وذهب عنه نعيم الدنيا ولذاتها فأخبر الله تعالى بقوله : { بل أحياء } بأنهم في نعيم دائم .