فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

{ في سبيل الله } في طريق الجهاد لنصرة دين الله .

{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } كأنه قيل استعينوا بالصبر والصلاة في إقامة ديني وسلوك سبيلي فإن احتجتم في ذلك إلى مجاهدة عدوي بأموالكم وأنفسكم فتلفت فإن قتلاكم أحياء عندي . نهى خلقه على أن يقولوا للشهداء إنهم موتى و{ أموات } مرفوع بمضمر تقديره هم أموات وكذا أحياء ثم إن نهي المؤمنين عن أن يقولوا في شأن الشهداء أموات إما أن يكون دفعا لإيهام مساواتهم لغيرهم في ذلك البرزخ وتلك خصوصية نهذه المخالفأن لهم إن شاركهم في النعيم بل وزاد عليهم بعض عباد الله تعالى المقربين ممن يقال في حقهم ذلك وإما أن يكون صيانة لهم عن النطق بكلمة قالها أعداء الدين والمنافقون في شأن أولئك الكرام قاصدين بها أنهم حرموا من النعيم ولم يروه أبدا وليس في الآية نهي عن نسبة الموت إليهم بالكلية بحيث أنهم ما ذاقوه أصلا ولا طرفة عين وإلا لقال تعالى { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله } ماتوا فحيث عدل عنه إلى ما ترى علم أنهم امتازوا بعد أن قتلوا بحياة لائقة بهم-{[537]} { ولكن لا تشعرون } لا تحسون ما حالهم بحواسكم لأنها من أحوال البرزخ التي ليس للحواس التي رزقناها في الدنيا إلى إدراكها من سبيل ولا طريق للعلم بها إلا بالوحي . وأورد بن جرير رحمه الله تعالى : فإن قال لنا قائل وما في قوله { ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء } من خصوصية الخبر عن المقتول في سبيل الله الذي لم يعم به غيره ؟ وقد علمت تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف حال المؤمنين والكافرين بعد وفاتهم فأخبر عن المؤمنين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبوابا إلى الجنة يشمون منها روحها ويستعجلون الله قيام الساعة ليصيروا إلى مساكنهم منها ويجمع بينهم وبين أهليهم وأولادهم فيها وعن الكافرين أنهم يفتح لهم من قبورهم أبوابا إلى النار ينظرون إليها ويصيبهم من نتنها ومكروهها ويسلط عليهم فيها إلى قيام الساعة من يقمعهم فيها ويسألون الله فيها تأخير قيام الساعة حذرا من المصير إلى ما أعد الله لهم فيها مع أشباه ذلك من الأخبار ؟ وإذا كانت الأخبار بذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما الذي خص به القتيل في سبيل الله مما يعم به سائر البشر غيره من الحياة ؟ وسائر الكفار والمؤمنين غيره أحياء في البرزخ أما الكفار فمعذبون بالمعيشة الضنك وأما المؤمنون فمنعمون بالروح والريحان ونسيم الجنان قيل إن الذي خص الله به الشهداء في ذلك وأفاد المؤمنين بخبرهم عنهم -تعالى ذكره- إعلامه إياهم أنهم مرزوقون من مآكل الجنة ومطاعمها في برزخهم قبل بعثهم ومنعمون بالذي ينعم به داخلوها بعد البعث من سائر البشر من لذيذ مطاعمها الذي لم يطعمها الله أحدا غيرهم في برزخه قبل بعثه . . . ا ه .


[537]:ما بين العارضتين من روح المعاني.