معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ} (154)

وقوله : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ . . . }

رَفْع بإضمار مَكْنِىّ مِن أسمائهم ؛ كقولك : لا تقولوا : هم أموات بل هم أحياء . ولا يجوز في الأموات النصب ؛ لأن القول لا يقع على الأسماء إذا أُضمرت وُصُوفها أو أظهِرت ؛ كما لا يجوز قلت عبد الله قائما ، فكذلك لا يجوز نصب الأموات ؛ لأنك مضمِر لأسمائهم ، إنما يجوز النصب فيما قَبله القول إذا كان الاسم في معنى قولٍ ؛ من ذلك : قلت خيرا ، وقلت شرّا . فترى الخير والشرّ منصوبين ؛ لأنهما قول ، فكأنك قلت : قلت كلاما حسنا أو قبيحا . وتقول : قلت لك خيرا ، وقلت لك خير ، فيجوز ، إن جعلت الخير قولا نصبته كأنك قلت : قلت لك كلاما ، فإذا رفعته فليس بالقول ، إنما هو بمنزلة قولك : قلت لك مال .

فابن على ذا ما ورد عليك ؛ من المرفوع قوله : { سيقولُون ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } و " خمسةٌ " و " سبعةٌ " ، لا يكون نصبا ؛ لأنه إخبار عنهم فيه أسماء مضمرة ؛ كقولك : هم ثلاثة ، وهم خمسة . وأما قوله - تبارك وتعالى - : { ويَقُولُونَ طَاعةٌ } فإنه رَفْع على غير هذا المذهب . وذلك أن العرب كانوا يقال لهم : لا بدّ لكم من الغَزْو في الشتاء والصيف ، فيقولون : سمع وطاعة ؛ معناه : مِنا السمع والطاعة ، فجرى الكلام على الرفع . ولو نصب على : نسمع سمعا ونطيع طاعة كان صوابا .

وكذلك قوله تبارك وتعالى في سورة محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم : { فَأَوْلَى لَهُم طَاعةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوف } . عيَّرهم وتهدّدهم بقوله : " فأولى لهم " ، ثم ذكر ما يقولون فقال : يقولون إذا أُمِروا " طاعة " . " فإذا عزم الأمر " نَكلُوا وكذبوا فلم يفعلوا . فقال الله تبارك وتعالى { فلَوْ صَدَقُوا الله لكانَ خَيْراً لهم } ، وربما قال بعضهم : إنما رُفِعت الطاعة بقوله : لهم طاعة ، وليس ذلك بشيء . والله أعلم . ويقال أيضا : " وذكِر فيها القِتال " و " طاعة " فأضمر الواو ، وليس ذلك عندنا مِن مذاهب العرب ، فإنْ يك موافقا للتفسير فهو صواب .