{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون } ، قيل : سبب نزول هذه الآية أنه قيل لمن قتل في سبيل الله : مات فلان وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها ، فأنزلت .
نهوا عن قولهم عن الشهداء أموات ، وأخبر تعالى أنهم أحياء ، وارتفاع أموات وأحياء على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم أموات ، بل هم أحياء .
ويحتمل أن يكون بل أحياء ، مندرجاً تحت قول مضمر ، أي بل قولوا هم أحياء .
لكن يرجح الوجه الأول ، وهو أنه إخبار من الله تعالى قوله : { ولكن لا تشعرون } ، لأن معناه : أن حياتهم لا شعور لكم بها ، والظاهر أن المراد حقيقة الموت والحياة .
واختلفوا فقيل : أموات بانقطاع الذكر ، بل أحياء ببقائه وثبوت الأجر .
وكانت العرب تسمي من لا يبقى له ذكر بعد موته كالولد ، وغيره ميتاً .
وقيل : أموات بالضلال ، بل أحياء بالطاعة والهدى ، كما قال : { أو من كان ميتاً فأحييناه } وإذا حمل الموت والحياة على الحقيقة فاختلفوا ، فقال قوم : معناه النهي عن قول الجاهلية أنهم لا يبعثون ، فالمعنى : أنهم سيحيون بالبعث ، فيثابون ثواب الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله .
وأكثر أهل العلم على أنهم أحياء في الوقت .
ومعنى هذه الحياة : بقاء أرواحهم دون أجسادهم ، إذ أجسادهم نشاهد فسادها وفناءها .
واستدلوا على بقاء الأرواح بعذاب القبر ، وبقوله : { ولكن لا تشعرون } معناه : لا تشعرون بكيفية حياتهم .
ولو كان المعنى بإحياء أنهم سيحيون يوم القيامة ، أو أنهم على هدى ونور ، لم يظهر لنفي الشعور معنى ، إذ هو خطاب للمؤمنين ، وهم قد علموا بالبعث ، وبأنهم كانوا على هدى .
فلا يقال فيه : ولكن لا تشعرون ، لأنهم قد شعروا به وبقوله : { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } وقد ذهب بعض الناس إلى أن الشهيد حي الجسد والروح ، ولا يقدح في ذلك عدم الشعور به من الحي غيره .
فنحن نراهم على صفة الأموات وهم أحياء ، كما قال تعالى : { وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرمر السحاب } وكما ترى النائم على هيئته ، وهو يرى في منامه ما ينعم به أو يتألم به .
ونقل السهيلي في كتاب ( دلائل النبوّة ) من تأليفه ، حكاية عن بعض الصحابة ، أنه حفر في مكان ، فانفتحت طاقة ، فإذا شخص جالس على سرير وبين يديه مصحف يقرأ فيه وأمامه روضة خضراء ، وذلك بأحد ، وعلم أنه من الشهداء ، لأنه رأى في صفحة وجهه جرحاً .
وإذا ثبت أن الشهداء أحياء ، إما أرواحهم ، وإما أجسادهم وأرواحهم ، فاختلف في مستقرها .
وقيل : في قباب بيض في الجنة يرزقون فيها ، قاله أبو بشار السلمي .
وقيل : في طير بيض تأكل من ثمار الجنة ومساكنهم سدرة المنتهى ، قاله قتادة .
وقيل : يأكلون من ثمر الجنة ويجدون ريحها ، وليسوا فيها ، قاله مجاهد .
وروي عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « الشهداء على نهر بباب الجنة في قبة خضراء » .
وروي : في روضة خضراء يجري عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا .
وروي عنه صلى الله عليه وسلم : « أن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنة ، وأنهم في قناديل من ذهب ، وأنهم في قبة خضراء » .
وإذا صح ذلك ، فهي أحوال لطوائف من الشهداء ، أو في أوقات مختلفة .
والجمهور : على أنهم في الجنة ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لأم حارثة : « إنهم في الفردوس » .
ومذهب أهل السنة : أن الأرواح لا تفنى ، وأنها باقية بعد خروجها من البدن .
فأرواح أهل السعادة منعمة إلى يوم الدين ، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدّين .
والفرق بين الشهيد وغيره من المؤمنين إنما هو الرّزق ، فضلهم الله بذلك ، وقال تعالى في حق الكفار : { النار يعرضون عليها غدواً وعشياً } وقال الحسن : الشهداء أحياء عند الله ، تعرض أرزاقهم على أرواحهم ، فيصل إليهم الروح والفرح ، كما تعرض النار على آل فرعون غدوة وعشياً ، فيصل إليهم الوجع .
وقالوا : يجوز أن يجمع الله من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم ، وإن كانت في حجم الذرة .
ولم تتعرض الآية الكريمة لرزق أرواح الشهداء ولا لمستقرّها ، وإنما جرى ذكر ذلك على سبيل الاستطراد ، اتباعاً للمفسرين ، حيث تكلموا في ذلك في هذه الآية ، وإلا فمظنة الكلام على ذلك في قوله : { بل أحياء عند ربهم يرزقون } حيث ذكر العندية والرزق ، وظاهر قوله : { لمن يقتل في سبيل الله } ، العموم .
وقيل : نزلت في شهداء بدر ، كانوا أربعة عشر ، ولا يخصص هذا العموم بهذا السبب ، بل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وفي هذه الآية تسلية لأقرباء الشهداء وإخوانهم من المؤمنين بذكر أنهم أحياء ، فهم مغبوطون لا محزونون عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.