{ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } " قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { خَاشِعُونَ } : خائفون ساكنون . وكذا روي عن مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والزهري{[20453]} .
وعن علي بن أبي طالب ، رَضِي الله عنه : الخشوعُ : خشوعُ القلبِ . وكذا قال إبراهيم النخعي .
وقال الحسن البصري : كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضوا بذلك أبصارهم ، وخفضوا الجناح .
وقال محمد بن سيرين : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة ، فلما نزلت هذه الآية : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم .
[ و ]{[20454]} قال ابن سيرين : وكانوا يقولون : لا يجاوز بصره مُصَلاه ، فإن كان قد اعتاد النظر فَلْيُغْمِضْ . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
ثم رَوَى{[20455]} ابن جرير عنه ، وعن عطاء بن أبي رَبَاح أيضًا مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، حتى نزلت هذه الآية .
والخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فَرَّغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ، وحينئذ تكون راحة له وقُرَّة عين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والنسائي ، عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " حُبِّبَ إليَّ الطِّيب والنساء ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " {[20456]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا مِسْعَر ، عن عمرو بن مُرَّة ، عن سالم بن أبي الجَعْد ،
عن رجل من أسلَم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يا بلال ، أرحنا بالصلاة " {[20457]} .
وقال الإمام أحمد أيضًا ؛ حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، حدثنا إسرائيل ، عن عثمان بن المغيرة ، عن سالم ابن أبي الجعد ، أن محمد بن الحنفية قال : دخلت مع أبي على صهر لنا من الأنصار ، فحَضَرت الصلاة ، فقال : يا جارية ، ائتني بوَضُوء لعلي أصلي فأستريح . فرآنا{[20458]} أنكرنا عليه ذلك{[20459]} ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قم يا بلال ، فأرحنا بالصلاة " {[20460]} .
ثم وصف تعالى هؤلاء المفلحين فقال { الذين هم في صلاتهم خاشعون } والخشوع التطامن وسكون الأعضاء والوقار ، وهذا إنما يظهر ممن في قلبه خوف واستكانة ، وروي عن بعض العلماء أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال : لو خشع هذا خشعت جوارحه{[8452]} ، وروي أن سبب هذه الآية أن المسلمين كانوا يلتفتون في صلاتهم يمنة ويسرة فنزلت هذه الآية وأمروا أن يكون بصر المصلي حذاء قبلته أو بين يديه ، وفي الحرم إلى الكعبة ، وروي عن ابن سيرين وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلتفت في صلاته إلى السماء فنزلت الآية في ذلك{[8453]} .
إجراء الصفات على { المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] بالتعريف بطريق الموصول وبتكريره للإيماء إلى وجه فلاحهم وعلتِهِ ، أي أن كل خصلة من هاته الخصال هي من أسباب فلاحهم . وهذا يقتضي أن كل خصلة من هذه الخصال سبب للفلاح لأنه لم يقصد أن سبب فلاحهم مجموع الخصال المعدودة هنا فإن الفلاح لا يتم إلاّ بخصال أخرى مما هو مرجع التقوى ، ولكن لما كانت كل خصلة من هذه الخصال تنبىء عن رسوخ الإيمان من صاحبها اعتبرت لذلك سبباً للفلاح ، كما كانت أضدادها كذلك في قوله تعالى { مَا سَلَكَكُمْ فَي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِم المسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِين وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْممِ الدّينِ } [ المدثر : 42 46 ] على أن ذكر عدة أشياء لا يقتضي الاقتصار عليها في الغرض المذكور .
والخشوع تقدم في قوله تعالى : { وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلاّ عَلَى الخَاشِعِينَ } في سورة البقرة ( 45 ) وفي قوله : { وكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } في سورة الأنبياء ( 90 ) . وهو خوف يوجب تعظيم المخوف منه ، ولا شك أن الخشوع ، أي الخشوع لله ، يقتضي التقوى فهو سبب فلاح .
وتقييده هنا بكونه في الصلاة لقصد الجمع بين وصفهم بأداء الصلاة وبالخشوع وخاصة إذا كان في حال الصلاة لأنّ الخشوع لله يكون في حالة الصلاة وفي غيرها ، إذ الخشوع محلّهُ القلب فليس من أفعال الصلاة ولكنه يتلبس به المصلي في حالة صلاته . وذكر مع الصلاة لأن الصلاة أولى الحالات بإثارة الخشوع وقوّته ولذلك قدمت ، ولأنه بالصلاة أعلق فإن الصلاة خشوع لله تعالى وخضوع له ، ولأن الخشوع لما كان لله تعالى كان أولى الأحوال به حال الصلاة لأن المصلي يناجي ربه فيشعر نفسه أنه بين يدي ربه فيخشع له . وهذا من آداب المعاملة مع الخالق تعالى وهي رأس الآداب الشرعية ومصدر الخيرات كلها .
ولهذا الاعتبار قدم هذا الوصف على بقية أوصاف المؤمنين وجعل موالياً للإيمان فقد حصل الثناء عليهم بوصفين .
وتقديمُ { في صلاتهم } على { خاشعون } للاهتمام بالصلاة للإيذان بأن لهم تعلقاً شديداً بالصلاة لأن شأن الإضافة أن تفيد شدة الاتصال بين المضاف والمضاف إليه لأنها على معنى لاَم الاختصاص . فلو قيل : الذين إذا صلوا خشعوا ، فات هذا المعنى ، وأيضاً لم يتأت وصفهم بكونهم خاشعين إلاّ بواسطة كلمة أخرى نحو : كانوا خاشعين . وإلاّ يفتْ ما تدل عليه الجملة الاسميّة من ثبات الخشوع لهم ودوَامِهِ ، أي كون الخشوع خُلقاً لهم بخلاف نحو : الذين خشعوا ، فحصل الإيجاز ، ولم يفت الإعجاز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.