المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

12- يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسبق نور إيمانهم وأعمالهم الطيبة أمامهم وعن أيمانهم ، تقول لهم الملائكة : بُشراكم في هذا اليوم جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار لا تخرجون منها أبداً ، ذلك الجزاء هو الفوز العظيم لكم لقاء أعمالكم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين : أنهم {[28246]} يوم القيامة يسعَى نورهم بين أيديهم في عَرصات القيامة ، بحسب أعمالهم ، كما قال عبد الله بن مسعود في قوله : { يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم مَن نوره مثل الجبل ، ومنهم مَن نوره مثل النخلة ، ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتَّقد مرة ويطفأ مرة{[28247]} ورواه بن أبي حاتم وبن جرير .

وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " من المؤمنين من يضيء نُوره من المدينة إلى عَدن أبين وصنعاء فدون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه " {[28248]}

وقال سفيان الثوري ، عن حُصَين ، عن مجاهد عن جُنَادة بن أمية قال : إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم ، وسيماكم وحُلاكم ، ونجواكم ومجالسكم ، فإذا كان يوم القيامة قيل : يا فلان ، هذا نورك . يا فلان ، لا نور لك . وقرأ : { يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ }

وقال الضحاك : ليس لأحد إلا يعطى نورًا يوم القيامة ، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طُفئ نور المنافقين ، فقالوا : ربنا ، أتمم لنا نورنا .

وقال الحسن [ في قوله ]{[28249]} { يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني : على الصراط .

وقد قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، أخبرنا عمي{[28250]} عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعيد{[28251]} بن مسعود : أنه سمع عبد الرحمن بن جُبَيْر يحدث : أنه سَمِع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال له رجل : يا نبي الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم ، ما بين نوح إلى أمتك ؟ قال : " أعرفهم ، مُحَجَّلون من أثر الوضوء ، ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يُؤْتَون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم{[28252]} {[28253]}

وقوله { وَبِأَيْمَانِهِمْ } قال الضحاك : أي وبأيمانهم كتبهم ، كما قال : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } [ الإسراء : 71 ] .

وقوله : { بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : يقال لهم : بشراكم اليوم جنات ، أي : لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار ، { خَالِدِينَ فِيهَا } أي : ماكثين فيها أبدًا { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .


[28246]:- (1) في م: "أنه".
[28247]:- (2) في م: "ويطفأ أخرى".
[28248]:- (3) تفسير الطبري (27/128).
[28249]:- (4) زيادة من أ.
[28250]:- (1) في أ: "أخي"
[28251]:- (2) في م: "سعيد".
[28252]:- (3) في م: "وبأيمانهم".
[28253]:- (4) ورواه الحاكم في المستدرك (2/478) من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه، وله طريق آخر سيأتي عند تفسير سورة التحريم.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

يوم ترى المؤمنين والمؤمنات ظرف لقوله وله أو فيضاعفه أو مقدر باذكر يسعى نورهم ما يوجب نجاتهم وهدايتهم إلى الجنة بين أيديهم وبأيمانهم لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين بشراكم اليوم جنات أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة بشراكم أي المبشر به جنات أو بشراكم دخول جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم الإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

العامل في : { يوم } قوله { وله أجر كريم } [ الحديد : 11 ] . والرؤية في هذه الآية رؤية عين . والنور : قال الضحاك بن مزاحم : هي استعارة ، عبارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه . وقال الجمهور : بل هو نور حقيقة ، وروي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها : أن كل مؤمن ومظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نوراً فيطفأ نور كل منافق ويبقى نور المؤمنين . حتى أن منهم من نوره يضيء كما بين مكة وصنعاء ، رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من نوره كالنخلة السحوق{[10965]} . ومنهم من نوره يضيء ما بين قرب من قدميه ، قال ابن مسعود : ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويتبين مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية . وخص تعالى بين الأيدي بالذكر لأنه موضع حاجة الإنسان إلى النور .

واختلف الناس في قوله : { وبأيمانهم } فقال بعض المتأولين المعنى : وعن أيمانهم ، فكأنه خص ذكر جهة اليمين تشريفاً ، وناب ذلك مناب أن يقول : وفي جميع جهاتهم ، وقال آخرون منهم ، المعنى : { وبأيمانهم } كتبهم بالرحمة . وقال جمهور المفسرين ، المعنى : يسعى نورهم بين أيديهم ، يريد الضوء المنبسط من أصل النور . { وبأيمانهم } أصله ، والشيء الذي هو متقد فيه .

قال القاضي أبو محمد : فضمن هذا القول أنهم يحملون الأنوار ، وكونهم غير حاملين[ لها ]{[10966]} أكرم ، ألا ترى أن فضيلة عباد بن بشر وأسيد بن حضير{[10967]} إنما كانت بنور لا يحملانه . هذا في الدنيا فكيف في الآخرة ، ومن هذه الآية انتزع حمل المعتق للشمعة .

وقرأ الناس : «بأيمانهم » جمع يمين . وقرأ سهل بن سعد وأبو حيوة : «بإيمانهم » بكسر الألف ، وهو معطوف على قوله : { بين أيديهم } كأنه قال : كائناً بين أيديهم ، وكائناً بسبب إيمانهم .

وقوله تعالى : { بشراكم } معناه ، يقال لهم : بشراكم جنات ، أي دخول جنات ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه .

وقوله تعالى : { خالدين فيها } إلى آخر الآية ، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم وقرأ ابن مسعود : «ذلك الفوز العظيم » بغير هو .

وقوله تعالى : { يوم يقول المنافقون والمنافقات } قال بعض النحاة : { يوم } بدل من الأول وقال آخرون منهم العامل فيه فعل مضمر تقديره : اذكر .

قال القاضي أبو محمد : ويظهر لي أن العامل فيه قوله تعالى : { ذلك هو الفوز العظيم } ويجيء معنى { الفوز } أفخم ، كأنه يقول : إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم ، وقول المنافقين هذه المقالة الممكنة هو عند انطفاء أنوارهم كما ذكرنا قبل .


[10965]:السحوق: الطويلة، يقال في وصف النخلة والمرأة.
[10966]:ما بين العلامتين[...] زيادة لتوضيح المعنى.
[10967]:أما"عباد" فهو: عباد بن بشر بن وقش-بفتح الواو وبالقاف وبالشين المعجمة- الأنصاري، من قدماء الصحابة، أسلم قبل الهجرة، وشهد بدرا، وأبلى يوم اليمامة أحسن البلاء فاستشهد بها. كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثه إلى القبائل يُصدقها-أي يجمع الصدقات- وجعله على مقاسم حنين، واستعمله على حرسه في تبوك. وأما "أسيد" فهو: أسيد بن الحُضير بن سماك بن عتيك الأوسي، صحابي، كان شريفا في الجاهلية والإسلام، يُعد من عقلاء العرب وذوي الرأي فيهم، وكان يسمى الكامل، جرح في أحد سبع جراحات، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد الخندق والمشاهد كلها، وفي الحديث:(نعم الرجل أُسيد بن الحضير)، توفي بالمدينة، وله ثمانية عشر حديثا.