يخبر تعالى عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم أخبر باستوائه على العرش بعد خلقهن ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية وأشباهها في سورة " الأعراف {[28221]} بما أغنى عن إعادته هاهنا .
{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ } أي : يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من زرع ونَبات وثمار ، كما قال : { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] .
وقوله : { وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ } أي : من الأمطار ، والثلوج والبرَد ، والأقدار والأحكام مع الملائكة الكرام ، وقد تقدم في سورة " البقرة " أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يُقرّرها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء تعالى .
وقوله : { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } أي : من الملائكة والأعمال ، كما جاء في الصحيح : " يُرْفَعُ إليه عَمَلُ الليل قبل النهار ، وعمل النهار قبل الليل " {[28222]}
وقوله : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : رقيب عليكم ، شهيد على أعمالكم حيث أنتم ، وأين كنتم ، من بر أو بحر ، في ليل أو نهار ، في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه ، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم ، كما قال : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [ هود : 5 ] . وقال { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ } [ الرعد : 10 ] ، فلا إله غيره ولا رب سواه . وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال لجبريل ، لما سأله عن الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة ، حدثني أبي ، عن نصر بن علقمة ، عن أخيه ، عن عبد الرحمن بن عائذ قال : قال عمر : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : زودني كلمة أعيش بها فقال : " اسْتَحِ الله كما تستحي رجلا من صَالِح عشيرتك لا يفارقك " {[28223]}
هذا حديث غريب ، وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعًا : " ثلاث من فَعَلَهُنَّ فقد طَعِمَ الإيمان : من عبد الله وحده ، وأعطى زكاة ماله طيبةً بها نفسه في كل عام ، ولم يعط الهَرَمة ولا الدَرنة ، ولا الشَّرط اللئيمة ولا المريضة ولكن من أوسط أموالكم . وزكى نَفْسَه " وقال رجل : يا رسول الله ، ما تزكية المرء نفسه ؟ فقال : " يعلم أن الله معه حيث كان " {[28224]}
وقال نُعَيْم بن حَمّاد ، رحمه الله : حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ، عن محمد بن مهاجر ، عن عُرْوَةَ بن رُوَيم ، عن عبد الرحمن بن غَنم ، عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت " . غريب . {[28225]}
وكان الإمام أحمد ينشد هذين البيتين :
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ *** خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ : عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَةً *** وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ
وقد تقدم القول في خلق السماوات والأرض . وأكثر الناس على أن بدأة الخلق هي في يوم الأحد ، ووقع في مسلم : أن البدأة في يوم السبت ، وقال بعض المفسرين : الأيام الستة من أيام القيامة . وقال الجمهور : بل من أيام الدنيا .
قال القاضي أبو محمد : وهو الأصوب .
والاستواء على العرش هو بالغلبة والقهر المستمرين بالقدرة ، وليس في ذلك ما في قهر العباد من المحاولة والتعب . وقد تقدم القول في مسألة الاستواء مستوعباً في : «طه » وغيرها .
و : { ما يلج في الأرض } هو المطر والأموات وغير ذلك ، { وما يخرج منها } النبات والمعادن وغير ذلك . { وما ينزل من السماء } الملائكة والرحمة والعذاب وغير ذلك . { وما يعرج } الأعمال صالحها وسيئها والملائكة وغير ذلك .
وقوله تعالى : { وهو معكم أينما كنتم } معناه بقدرته وعلمه وإحاطته . وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها ، وأنها مخرجة عن معنى لفظها المعهود ، ودخل في الإجماع من يقول بأن المشتبه كله ينبغي أن يمر ويؤمن به ولا يفسر فقد أجمعوا على تأويل هذه لبيان وجوب إخراجها عن ظاهرها . قال سفيان الثوري معناه : علمه معكم ، وتأولهم هذه حجة عليهم في غيرها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.