قال الله تعالى : { فَسَقَى لَهُمَا } قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الله ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن عَمْرو{[22239]}
بن ميمون الأوْدي ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن موسى ، عليه السلام ، لما ورد ماء مدين ، وجد عليه أمة من الناس يسقون ، قال : فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال : ما خطبكما ؟ فحدثتاه ، فأتى الحجر فرفعه ، ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم . إسناد صحيح{[22240]} .
وقوله : { ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قال ابن عباس : سار موسى من مصر إلى مدين ، ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر ، وكان حافيًا فما وصل مَدْيَن حتى سقطت نعل قدمه . وجلس{[22241]} في الظل وهو صفوة الله من خلقه ، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع ، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة .
وقوله : { إِلَى الظِّلِّ } قال ابن عباس ، وابن مسعود ، والسدي : جلس تحت شجرة .
وقال ابن جرير : حدثني الحسين بن عمرو العَنْقَزِيّ{[22242]} ، حدثنا أبي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : حَثثتُ{[22243]} على جمل ليلتين ، حتى صَبَّحت مدين ، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى ، فإذا شجرة خضراء ترف ، فأهوى إليها جملي - وكان جائعا - فأخذها جملي فعالجها ساعة ، ثم لفظها ، فدعوت الله لموسى ، عليه السلام ، ثم انصرفت{[22244]} .
وفي رواية عن ابن مسعود : أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم الله منها لموسى ، كما سيأتي والله{[22245]} أعلم .
وقال السدي : كانت من شجر السَّمُر .
وقال عطاء بن السائب : لما قال موسى { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ، أسمعَ المرأة .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَسَقَىَ لَهُمَا ثُمّ تَوَلّىَ إِلَى الظّلّ فَقَالَ رَبّ إِنّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما ، ثم تولى إلى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ثُمّ تَوّلى موسى إلى ظلّ شجرة سَمُرة ، فقال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .
حدثني العباس ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : انصرف موسى إلى شجرة ، فاستظلّ بظلّها ، فقالَ : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلّتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، قال : حثثت على جَمَلَ لي ليلتين حتى صبحت مدين ، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى ، فإذا شجرة خضراء تَرِفّ ، فأهوى إليها جملي وكان جائعا ، فأخذها جملي ، فعالجها ساعة ، ثم لفظها ، فدعوت الله لموسى عليه السلام ، ثم انصرفت . وقوله : فقالَ رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ محتاج . وذُكر أن نبيّ الله موسى عليه السلام قال هذا القول ، وهو بجهد شديد ، وعَرّض ذلك للمرأتين تعريضا لهما ، لعلهما أن تُطعماه مما به من شدّة الجوع .
وقيل : إن الخير الذي قال نبيّ الله إنّي لِما أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ محتاج ، إنّمَا عنى به : شَبْعَةً من طعام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : لما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد ، حتى كانت تُرَى أمعاؤه من ظاهر الصّفاق فلما سقى للمرأتين ، وأوى إلى الظلّ ، قال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلمّا وَرَد ماءَ مَدْيَنَ قال : ورد الماء وإنه ليتراءَى خُضرةُ البقل في بطنه من الهُزال ، فقال رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : شَبْعة .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ ، قال : حدثنا حَكّام بن سلم ، عن عنبسة ، عن أبي حُصَين ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ قال : ورد الماء ، وإنّ خُضرة البقل لُترى في بطنه من الهُزال .
حدثني نصر بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا حكام بن سَلْم ، عن عنبسة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبَير إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إلى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : شَبْعَة يومئذٍ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله ، فقال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : قال هذا وما معه درهم ولا دينار .
قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : ما سأل إلا الطّعام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة بن الفضل ، عن سفيان الثوريّ ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله فقال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : ما سأل ربه إلا الطعام .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قالَ رَبّ إنيّ لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : قال ابن عباس : لقد قال موسى : ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضرة أمعائه من شدة الجوع ، وما يسأل الله إلا أَكْلة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : كان نبيّ الله بجهد .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن عطاء بن السائب في قوله : إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : بلغني أن موسى قالها وأسمع المرأة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : طعام .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : طعام .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : الطعامَ يَسْتَطْعِم ، لم يكن معه طعام ، وإنما سأل الطعام .
و { تولى } موسى عليه السلام إلى ظل سمرة قاله ابن مسعود ، وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله { رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير } ، ولم يصرح بسؤال ، هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله ، قال ابن عباس : وكان قد بلغ به الجوع واخضر لونه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه بظهره ، ورئيت خضرة البقل في بطنه وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله ، وروي أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدمه ، وفي هذا معتبر وحاكم بهوان الدنيا على الله تعالى .