المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

15- يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا - محمد - داعياً إلى الحق ، يظهر لكم كثيراً مما كنتم تكتمونه من التوراة والإنجيل ، ويدع كثيراً مما أخفيتموه مِمَّا لم تدع الحاجة إلى إظهاره ، قد جاءكم من عند الله شريعة كاملة هي نور في ذاتها ، ويبيِّنها كتاب واضح .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

يقول تعالى مخبرًا عن نفسه الكريمة : أنه قد أرسل رسوله محمدًا بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض ، عربهم وعجمهم ، أميهم وكتابيّهم ، وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل ، فقال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ } أي : يبين ما بدلوه وحرفوه وأولوه ، وافتروا على الله فيه ، ويسكت{[9436]} عن كثير مما غيروه ولا فائدة في بيانه .

وقد روى الحاكم في مستدركه ، من حديث الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قوله : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ } فكان الرجم مما أخفوه . {[9437]}

ثم قال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . {[9438]}

ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم فقال : { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } .


[9436]:في أ: "وسكت".
[9437]:في أ: "مما أخفوا".
[9438]:المستدرك (4/359).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مّبِينٌ } . .

يقول عزّ ذكره لجماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، قد جاءكم رسولنا ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم . ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا وهو محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرا مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتابِ يقول : يبين لكم محمد رسولنا كثيرا مما كنتم تكتمونه الناس ولا تبينونه لهم مما في كتابكم . وكان مما يخفونه من كتابهم فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : رجم الزانين المحصنين . وقيل : إن هذه الاَية نزلت في تبيين رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس من إخفائهم ذلك من كتابهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب ، قوله : يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيرا مِمّا تُخْفُونَ مِنَ الكِتابِ فكان الرجم مما أخَفَوْا .

حدثنا عبد الله بن أحمد بن شَبّويَهْ ، أخبرنا عليّ بن الحسين ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد الحذّاء ، عن عكرمة في قوله : يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَينُ لَكُمْ . . . إلى قوله : صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال : إن نبيّ الله أتاه اليهود يسألونه عن الرجم ، واجتمعوا في بيت ، قال : «أيّكم أَعْلَمُ ؟ » فأشاروا إلى ابن صُورِيا ، فقال : «أنْتَ أعْلَمُهُمْ ؟ » قال : سل عما شئت ، قال : «أنْتَ أعْلَمُهُمْ ؟ » قال : إنهم ليزعمون ذلك . قال : فناشده بالذي أنزل التوراة على موسى ، والذي رفع الطور ، وناشده بالمواثيق التي أُخذت عليهم ، حتى أخذه أَفْكَل ، فقال : إن نساءنا نساء حسان ، فكثر فينا القتل ، فاختصرنا أُخْصُورة ، فجلدنا مِئة ، وحلقنا الرءوس ، وخالفنا بين الرءوس إلى الدّوابّ أحسبه قال : الإبل قال : فحُكِم عليهم بالرجْم ، فأنزل الله فيهم : يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيّينُ لَكُمْ . . . الاَية ، وهذه الاَية : وَإذَا خَلا بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قالُوا أُتَحدّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحاجّوكُمُ بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ .

قوله : وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ يعني بقوله ويعفو : ويترك أخذكم بكثير مما كنتم تخفون من كتابكم الذي أنزله الله إليكم ، وهو التوراة ، فلا تعملون به حتى يأمره الله بأخذكم به .

القول في تأويل قوله تعالى : قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللْهِ نُورٌ وكِتابٌ مُبِينٌ .

يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء الذين خاطبهم من أهل الكتاب : قد جاءكم يا أهل التوراة والإنجيل من الله نور ، يعني بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم ، الذي أنار الله به الحقّ ، وأظهر به الإسلام ، ومحق به الشرك فهو نور لمن استنار به يبين الحقّ ، ومن إنارته الحقّ تبيينه لليهود كثيرا مما كانوا يخفون من الكتاب . وقوله : وكِتابٌ مُبِينٌ يقول جلّ ثناؤه : قد جاءكم من الله تعالى النور الذي أنار لكم به معالم الحقّ . وكِتَابٌ مُبِينٌ يعني : كتابا فيه بيان ما اختلفوا فيه بينهم من توحيد الله وحلاله وحرامه وشرائع دينه ، وهو القرآن الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يبين للناس جميع ما بهم الحاجة إليه من أمر دينهم ويوضحه لهم ، حتى يعرفوا حقه من باطله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ كَثِيرٗا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖۚ قَدۡ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٞ وَكِتَٰبٞ مُّبِينٞ} (15)

وقوله تعالى : { يا أهل الكتاب } لفظ يعم اليهود والنصارى ولكن نوازل الإخفاء كالرجم وغيره إنما حفظت لليهود ، لأنهم كانوا مجاوري رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجره . وقال محمد بن كعب القرظي : أول ما نزل من هذه السورة هاتان الآيتان في شأن اليهود والنصارى ، ثم نزل سائر السورة بعرفة في حجة الوداع وقوله : { رسولنا } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، وفي الآية الدالة على صحة نبوته ، لأن إعلامه بخفيّ ما في كتبهم وهو أمي لا يقرأ ولا يصحب القرأة دليل على أن ذلك إنما يأتيه من عند الله تبارك وتعالى ، وأشهر النوازل التي أخفوها فأظهرها الله على لسان نبيه أمر الرجم ، وحديثه مشهور{[4498]} . ومن ذلك صفات محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك . و { من الكتاب } يعني من التوراة وقوله : { ويعفو عن كثير } معناه ويترك كثيراً لا يفضحكم فيه إبقاء عليكم . وهذا المتروك هو في معنى افتخارهم ووصفهم أيام الله قبلهم ونحو ذلك مما لا يتعين في ملة الإسلام فضحهم فيه وتكذيبهم ، والفاعل في { يعفو } هو محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يستند الفعل إلى الله تعالى وإذا كان العفو من النبي عليه السلام فبأمر ربه ، وإن كان من الله تعالى فعلى لسان نبيه عليه السلام ، والاحتمالان قريب بعضهما من بعض .

قوله عز وجل : { نور وكتاب مبين } يحتمل أن يريد محمداً صلى الله عليه وسلم والقرآن ، وهذا هو ظاهر الألفاظ ، ويحتمل أن يريد موسى عليه السلام والتوراة ، أي ولو اتبعتموها حق الاتباع لآمنتم بمحمد ، إذ هي آمرة بذلك مبشرة به ، وقرأ عبيد بن عمير والزهري وسلام وحميد ومسلم بن جندب «بهُ اللهُ » بضم الهاء حيث وقع مثله .


[4498]:- روى البخاري في "كتاب التفسير"- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا: نحممهما ونضربهما، فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيها شيئا، فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده وما وراءها، ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد، قال: فرأيت صاحبها يجنأ عليها يقيها الحجارة.