المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

44- ألا تعجب من أمر هؤلاء الذين أوتوا حظاً من العلم مما جاء في الكتب السابقة ، يتركون الهدى ويبتغون الضلالة في شأن أنفسهم ، ويريدون منكم أن تبعدوا مثلهم عن الحق وهو صراط الله المستقيم ؟ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ، أنهم يشترون الضلالة بالهدى ويعرضون عما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ويتركون ما بأيديهم من العلم عن الأنبياء الأولين في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ليشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا { وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُوا السَّبِيلَ } أي يودون لو تكفرون بما أنزل عليكم أيها المؤمنون وتتركون ما أنتم عليه من الهدى والعلم النافع .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلّواْ السّبِيلَ } . .

اختلف أهل التأويل في معنى قوله جلّ ثناؤه : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ } فقال قوم : معناه : ألم تخبر . وقال آخرون : معناه : ألم تعلم . والصواب من القول في ذلك : ألم تر بقلبك يا محمد علما إلى الذين أوتوا نصيبا . وذلك أن الخبر والعلم لا يجليان رؤية ، ولكنه رؤية القلب بالعلم لذلك كما قلنا فيه .

وأما تأويل قوله : { إلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتَابِ } فإنه يعني : إلى الذين أُعطوا حظّا من كتاب الله ، فعلموه . وذكر أن الله عنى بذلك طائفة من اليهود الذين كانوا حوالي مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرونَ الضّلالَةَ ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ } فهم أعداء الله اليهود ، اشتروا الضلالة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ } إلى قوله : { يحَرّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } قال : نزلت في رفاعة بن زيد بن السائب اليهودي .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، قال : ثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظمائهم يعني : من عظماء اليهود إذا كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوى لسانه وقال : راعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك ! ثم طعن في الإسلام وعابه ، فأنزل الله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ } . . . إلى قوله : { فَلا يُؤْمِنُونَ إلاّ قَلِيلاً } .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق بإسناده عن ابن عباس ، مثله .

القول في تأويل قوله تعالى : { يَشْتَرونَ الضّلالَةَ ويُرِيدونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ واللّهُ أعْلَمُ بأعْدَائِكُمْ وكَفَى باللّهِ وَلِيّا وكَفَى باللّهِ نَصِيرا } .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { يَشْتَرُونَ الضّلالَةَ } : اليهود الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يختارون الضلالة ، وذلك الأخذ على غير طريق الحق وركوب غير سبيل الرشد والصواب ، مع العلم منهم بقصد السبيل ومنهم الحقّ . وإنما عنى الله بوصفهم باشترائهم الضلالة مقامهم على التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم وتركهم الإيمان به ، وهم عالمون أن السبيل الحقّ الإيمان به وتصديقه بما قد وجدوا من صفته في كتبهم التي عندهم .

وأما قوله : { ويُرِيدُونَ أنْ تَضِلّوا السّبِيلَ } يعني بذلك تعالى ذكره : ويريد هؤلاء اليهود الذين وصفهم جلّ ثناؤه بأنهم أوتوا نصيبا من الكتاب أن تضلوا أنتم يا معشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المصدّقين به أن تضلوا السبيل ، يقول : أن تزولوا عن قصد الطريق ، ومحجة الحقّ ، فتكذبوا بمحمد ، وتكونوا ضلالاً مثلهم . وهذا من الله تعالى ذكره تحذير منه عباده المؤمنين أن يستنصحوا أحدا من أعداء الإسلام في شيء من أمر دينهم ، أو أن يسمعوا شيئا من طعنهم في الحقّ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

{ ألم تر إلى الذين أوتوا } من رؤية البصر أي ألم تنظر إليهم ، أو القلب . وعدي بإلى لتضمن معنى الانتهاء . { نصيبا من الكتاب } حظا يسيرا من علم التوراة لأن المراد أحبار اليهود . { يشترون الضلالة } يختارونها على الهدى ، أو يستبدلونها به بعد تمكنهم منه ، أو حصوله لهم بإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : يأخذون الرشى ويحرفون التوراة . { ويريدون أن تضلوا } أيها المؤمنون . { السبيل } سبيل الحق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

الرؤية في قوله { ألم تر } من رؤية القلب ، وهي علم بالشيء ، وقال قوم : معناه «الم تعلم » وقال آخرون : «ألم تخبر » وهذا كله يتقارب ، والرؤية بالقلب تصل بحرف الجر وبغير حرف الجر ، والمراد ب { الذين } : اليهود ، قاله قتادة وغيره ، ثم اللفظ يتناول معهم النصارى ، وقال ابن عباس : نزلت في رفاعة بن زيد بن التابوت اليهودي{[4083]} .

و{ أوتوا } أعطوا ، و «النصيب » الحظ ، و { الكتاب } : التوراة والإنجيل ، وإنما جعل المعطى نصيباً في حق كل واحد منفرد ، لأنه لا يحصر علم الكتاب واحد بوجه ، و { يشترون } عبارة عن إيثارهم الكفر وتركهم الإيمان ، فكأنه أخذ وإعطاء ، هذا قول جماعة ، وقالت فرقة : أراد الذين كانوا يعطون أموالهم للأحبار على إقامة شرعهم فهذا شراء على وجهه على هذا التأويل ، { ويريدون أن تضلوا السبيل } ، معناه أن تكفروا ، وقرأ النخعي ، «وتريدون أن تضلوا » بالتاء منقوطة من فوق في [ تريدون ]{[4084]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية وما بعدها ، تقتضي توبيخاً للمؤمنين على استنامة{[4085]} قوم منهم إلى أحبار اليهود ، في سؤال عن دين ، أو في موالاة أو ما أشبه ذلك ، وهذا بيّن في ألفاظها ، فمن ذلك ، { ويريدون أن تضلوا } ، أي تدعوا الصواب في اجتنابهم ، وتحسبوهم غير أعداء ، والله أعلم بهم .


[4083]:- قال ابن إسحاق: كان رفاعة بن زيد بن التابوت من عظماء يهود، إذا كلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لوّى لسانه وقال: أرعنا سمعك يا محمد حتى نفهمك، ثم طعن في الإسلام وعابه فأنزل الله عز وجل: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب} إلى قوله: {إلا قليلا}.
[4084]:- ويكون المعنى على هذا: إنكم تدعون الصواب وهو اجتنابهم، وتحسبونهم غير أعداء لله تعالى، وكأنكم بهذا تريدون لأنفسكم الضلال.
[4085]:- يريد أنهم يسكنون إليهم مثل سكون النائم، وفيها معنى الخضوع أو شبهه