نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

ولما أفهم ختام هذه الآية أن التشديد في الأحكام يكون سبباً للإجرام ، فيكون سبباً في الانتقام ؛ قرر ذلك بحال اليهود الذين أوجبت لهم الآصار عذاب النار{[21537]} فقال - ليكون ذلك مرغباً في تقبل ما مر من التكاليف ليسره{[21538]} ولرجاء الثواب ، مرهباً من تركها خوفاً من العقاب ، وليصير الكلام حلواً رائقاً بهجاً بتفصيل نظمه تارة بأحكام ، وتارة بأقاصيص عظام ، فينشط الخاطر وتقوى القريحة - : { ألم تر } أو يقال : إنه لما حذر{[21539]} سبحانه وتعالى فيما مضى من أهل الكتاب بقوله سبحانه وتعالى

{ ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً }[ النساء : 27 ] ومر إلى أن أنزل{[21540]} هذه فيمن{[21541]} حرف في الصلاة لسانه فقط لا عن عمد{[21542]} الكلم{[21543]} عن واضعه ؛ أتبعها التصريح بالتعجيب{[21544]} من حال المحرفين بالقلب واللسان عمداً وعدواناً اجتراء على الله سبحانه وتعالى ، الملوح إليهم بالآية السابقة أنهم {[21545]}يريدون لنا{[21546]} الضلال عما هدينا إليه من سننهم فقال : { ألم تر } .

ولما كانوا بمحل البعد{[21547]} - بما لهم من اللعن - عن حضرته الشريفة ، عبر بأداة الانتهاء ، بصرية كانت الرؤية{[21548]} أو{[21549]} قلبية ، فقال : { إلى الذين أوتوا } وحقر أمرهم بالبناء للمفعول و{[21550]}بقوله : { نصيباً من الكتاب } أي{[21551]} كشاس{[21552]} بن قيس الذي أراد الخلف بين الأنصار ، وفي ذلك أن أقل شيء من الكتاب يكفي في ذم الضلال ، لأنه كاف في الهداية { يشترون } أي يتكلفون ويلحون{[21553]} - بما هم فيه من رئاسة الدنيا من المال والجاه - أن يأخذوا { الضلالة } معرضين عن الهدى{[21554]} غير ذاكريه{[21555]} بوجه ، وسبب كثير من ذلك ما في دينهم من الآصال والأثقال ، كما أشار إليه{[21556]} قوله سبحانه وتعالى

{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة{[21557]} }[ مريم : 59 ] أي{[21558]} بسبب ما شدد عليهم فيها بأنها لا تفعل إلا في الموضع المبني لها ، وبغير ذلك من أنواع الشدة ، وكذا غيرها المشار إليه بقوله سبحانه وتعالى

{ فبما نقضهم ميثاقهم{[21559]} }[ النساء : 155 ] وغير ذلك ، ومن أعظمه ما يخفون من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليتقربوا بذلك إلى أهل دينهم ، ويأخذوا منهم الرشى على ذلك ، ويجعلوهم عليهم رؤساء .

ولما ذكر ضلالهم المتضمن لإضلالهم ، أتبعه ما يدل على إعراقهم فيه ، فقال مخاطباً لمن يمكن توجيه هممهم بإضلال إليه : { ويريدون {[21560]}أن تضلوا{[21561]} } أي يا أيها الذين آمنوا { السبيل * } حتى تساووهم ، فلذلك يذكرونكم بالأحقاد والأضغان والأنكاد - كما فعل شاس - لا محبة فيكم ، ويلقون{[21562]} إليكم الشبهة{[21563]} ، فالله سبحانه وتعالى أعلم{[21564]} بهم حيث حذركم منه بقوله { لا يألونكم خبالاً }{[21565]} [ آل عمران : 118 ] وما بعده إلى هنا


[21537]:سقط من ظ.
[21538]:من ظ ومد، وفي الأصل: لبسره ـ كذا.
[21539]:في ظ: قدر.
[21540]:في ظ: نزل.
[21541]:في ظ: من.
[21542]:في ظ: عهد.
[21543]:من مد، وفي الأصل وظ: الكلام.
[21544]:في ظ: بالتعجب.
[21545]:من ظ ومد، وفي الأصل: يريه والمقاد ـ كذا.
[21546]:من ظ ومد، وفي الأصل: يريه والمقاد ـ كذا.
[21547]:من ظ ومد، وفي الأصل: التعمد.
[21548]:من ظ ومد، وفي الأصل: الرويا.
[21549]:سقط من ظ.
[21550]:سقط من ظ.
[21551]:سقط من ظ.
[21552]:في ظ: كساس.
[21553]:في ظ: يلحقون.
[21554]:في ظ: عن ذاكرته ـ كذا.
[21555]:في ظ: عن ذاكرته ـ كذا.
[21556]:زيد من ظ ومد.
[21557]:سورة 19 آية 59.
[21558]:سقط من ظ.
[21559]:زيدت الواو بعده في الأصل، وزيد "هذا"في ظ، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[21560]:سورة 4 آية 155.
[21561]:تـأخر في ظ عن "الذين آمنوا".
[21562]:في ظ: يلقوا.
[21563]:من ظ ومد، وفي الأصل ومد: السنة ـ كذا.
[21564]:زيد من ظ ومد.
[21565]:من ظ ومد، وفي الأصل: حذرهم.