ولما أفهم ختام هذه الآية أن التشديد في الأحكام يكون سبباً للإجرام ، فيكون سبباً في الانتقام ؛ قرر ذلك بحال اليهود الذين أوجبت لهم الآصار عذاب النار{[21537]} فقال - ليكون ذلك مرغباً في تقبل ما مر من التكاليف ليسره{[21538]} ولرجاء الثواب ، مرهباً من تركها خوفاً من العقاب ، وليصير الكلام حلواً رائقاً بهجاً بتفصيل نظمه تارة بأحكام ، وتارة بأقاصيص عظام ، فينشط الخاطر وتقوى القريحة - : { ألم تر } أو يقال : إنه لما حذر{[21539]} سبحانه وتعالى فيما مضى من أهل الكتاب بقوله سبحانه وتعالى
{ ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً }[ النساء : 27 ] ومر إلى أن أنزل{[21540]} هذه فيمن{[21541]} حرف في الصلاة لسانه فقط لا عن عمد{[21542]} الكلم{[21543]} عن واضعه ؛ أتبعها التصريح بالتعجيب{[21544]} من حال المحرفين بالقلب واللسان عمداً وعدواناً اجتراء على الله سبحانه وتعالى ، الملوح إليهم بالآية السابقة أنهم {[21545]}يريدون لنا{[21546]} الضلال عما هدينا إليه من سننهم فقال : { ألم تر } .
ولما كانوا بمحل البعد{[21547]} - بما لهم من اللعن - عن حضرته الشريفة ، عبر بأداة الانتهاء ، بصرية كانت الرؤية{[21548]} أو{[21549]} قلبية ، فقال : { إلى الذين أوتوا } وحقر أمرهم بالبناء للمفعول و{[21550]}بقوله : { نصيباً من الكتاب } أي{[21551]} كشاس{[21552]} بن قيس الذي أراد الخلف بين الأنصار ، وفي ذلك أن أقل شيء من الكتاب يكفي في ذم الضلال ، لأنه كاف في الهداية { يشترون } أي يتكلفون ويلحون{[21553]} - بما هم فيه من رئاسة الدنيا من المال والجاه - أن يأخذوا { الضلالة } معرضين عن الهدى{[21554]} غير ذاكريه{[21555]} بوجه ، وسبب كثير من ذلك ما في دينهم من الآصال والأثقال ، كما أشار إليه{[21556]} قوله سبحانه وتعالى
{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة{[21557]} }[ مريم : 59 ] أي{[21558]} بسبب ما شدد عليهم فيها بأنها لا تفعل إلا في الموضع المبني لها ، وبغير ذلك من أنواع الشدة ، وكذا غيرها المشار إليه بقوله سبحانه وتعالى
{ فبما نقضهم ميثاقهم{[21559]} }[ النساء : 155 ] وغير ذلك ، ومن أعظمه ما يخفون من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليتقربوا بذلك إلى أهل دينهم ، ويأخذوا منهم الرشى على ذلك ، ويجعلوهم عليهم رؤساء .
ولما ذكر ضلالهم المتضمن لإضلالهم ، أتبعه ما يدل على إعراقهم فيه ، فقال مخاطباً لمن يمكن توجيه هممهم بإضلال إليه : { ويريدون {[21560]}أن تضلوا{[21561]} } أي يا أيها الذين آمنوا { السبيل * } حتى تساووهم ، فلذلك يذكرونكم بالأحقاد والأضغان والأنكاد - كما فعل شاس - لا محبة فيكم ، ويلقون{[21562]} إليكم الشبهة{[21563]} ، فالله سبحانه وتعالى أعلم{[21564]} بهم حيث حذركم منه بقوله { لا يألونكم خبالاً }{[21565]} [ آل عمران : 118 ] وما بعده إلى هنا
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.