البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب } قال قتادة : نزلت في اليهود .

وفي رواية عن ابن عباس : في رفاعة بن زيد بن التابوت .

وقيل : في غيره من اليهود .

ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر شيئاً من أحوال الآخرة ، وأن الكفار إذ ذاك يودون لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً ، وجاءت هذه الآية بعد ذلك كالاعتراض بين ذكر أحوال الكفار في الآخرة ، وذكر أحوالهم في الدنيا وما هم عليه من معاداة المؤمنين ، وكيف يعاملون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يأتي شهيداً عليهم وعلى غيرهم .

ولما كان اليهود أشد إنكاراً للحق ، وأبعد من قبول الخير .

وكان قد تقدّم أيضاً الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ، وهم أشد الناس تحلياً بهذين الوصفين ، أخذ يذكرهم بخصوصيتهم .

وتقدم تفسير ألم تر إلى الذين في قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } فأغنى عن إعادته .

.

والنصيب : الحظ .

ومن الكتاب : يحتمل أن يتعلق بأوتوا ، ويحتمل أن يكون في موضع الصفة لنصيباً .

وظاهر لفظ الذين أوتوا ، يشمل اليهود والنصارى ، ويكون الكتاب عبارة عن التوراة والإنجيل .

وقيل : الكتاب هنا التوراة ، والنصيب قيل : بعض علم التوراة ، لا العمل بما فيها .

وقيل : علم ما هو حجة عليهم منه فحسب .

وقيل : كفرهم به .

وقيل : علم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم .

{ يشترون الضلالة } المعنى : يشترون الضلالة بالهدى ، كما قال : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى }

قال ابن عباس : استبدلوا الضلالة بالإيمان .

وقال مقاتل : استبدلوا التكذيب بالنبي بعد ظهوره بإيمانهم به قبل ظهوره واستنصارهم به انتهى .

ودل لفظ الاشتراء على إيثار الضلالة على الهدى ، فصار ذلك بغياً شديداً عليهم ، وتوبيخاً فاضحاً لهم ، حيث هم عندهم حظ من علم التوراة والإنجيل ، ومع ذلك آثروا الكفر على الإيمان .

وكتابهم طافح بوجوب اتباع النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل .

وقيل : اشتراء الضلالة هنا هو ما كانوا يبذلون من أموالهم لأحبارهم على تثبيت دينهم قاله : الزجاج .

{ ويريدون أن تضلوا السبيل } أي : لم يكفهم أن ضلوا في أنفسهم حتى تعلقت آمالهم بضلالكم أنتم أيها المؤمنون عن سبيل الحق ، لأنهم لما علموا أنهم قد خرجوا من الحق إلى الباطل كرهوا أن يكون المؤمنون مختصين باتباع الحق ، فأرادوا أن يضلوا كما ضلوا هم كما قال تعالى : { ودُّوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } وقرأ النخعي : وتريدون بالتاء باثنتين من فوق ، قيل : معناه وتريدون أيها المؤمنون أن تضلوا السبيل أي : تدعون الصواب في اجتنابهم ، وتحسبونهم غير أعداء الله .

وقرئ : أن يضلوا بالياء وفتح الضاد وكسرها .

/خ46