محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يَشۡتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ} (44)

وقوله تعالى :

( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل44 ) .

( ألم تر ) من رؤية القلب . وضمن معنى الانتهاء . أي : ألم ينته علمك اليهم . أو من رؤية البصر . أي : ألم تنظر ( الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) أي حظا من علم التوراة . وهم أحبار اليهود . قال العلامة أبو السعود : المراد بالذي أوتوه ، ما بين لهم فيها من الأحكام والعلوم التي من جملتها ما علموه من نعوت النبي صلى الله عليه وسلم وحقية الاسلام . والتعبير عنه بالنصيب ، / المنبئ عن كونه حقا من حقوقهم ، التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها ، للايذان بكمال ركاكة آرائهم حيث ضيعوه تضييعا . وتنوينه تفخيمي مؤيد للتشنيع عليهم ، والتعجيب من حالهم . فالتعبير عنهم بالوصول للتنبيه بما في حيز الصلة على كمال شناعتهم . والاشعار بمكان ما طوى ذكره في المعاملة المحكية عنهم من الهدى الذي هو أحد العوضين ( يشترون الضلالة ) وهو البقاء على اليهودية ، بعد وضوح الآيات لهم على صحة نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه هو النبي المبشر به في التوراة والانجيل . أي يأخذون الضلالة ويتركون ما أوتوه من الهدى ليشتروا ثمنا قليلا من حطام الدنيا .

وانما طوى ذكر المتروك لغاية ظهور الأمر . لاسيما بعد الإشعار المذكور . والتعبير عن ذلك بالاشتراء ، الذي هو عبارة عن استبدال السلعة بالثمن ، أي أخذها بدلا منه ، أخذا ناشئا عن الرغبة فيها والإعراض عنه – للإيذان بكمال رغبتهم في الضلالة ، التي حقها أن يعرض عنها كل الإعراض . وإعراضهم عن الهداية التي يتنافس فيها المتنافسون . وفيه من التسجيل على نهاية سخافة عقولهم ، وغاية ركاكة آرائهم – ما لا يخفى . حيث صورت حالهم بصورة ما لا يكاد يتعاطاه أحد ممن له أدنى تمييز . قاله أبو السعود : ( ويريدون أن تضلوا السبيل ) أي لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا ، من كتمان نعوته صلى الله عليه وسلم ، أن تضلوا أيها المؤمنون سبيل الحق كما ضلوا ، ويودون لو تكفرون بما أنزل عليكم من الهدى والعلم النافع .