45- يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم جماعة مقاتلة من أعدائكم فاثبتوا ولا تفروا ، واذكروا الله متمثلين قدرته وحسن وعده بنصر المؤمنين ، مكثرين في ذلك الذكر مع الثبات والصبر ، فإنكم إن فعلتم ذلك كان رجاؤكم للفلاح محققاً{[75]} .
هذا تعليم الله{[13037]} عباده المؤمنين آداب اللقاء ، وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء ، [ فقال ]{[13038]} { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا }
ثبت في الصحيحين ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال : " يا أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا{[13039]} واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " اللهم ، مُنزل الكتاب ، ومُجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم " {[13040]}
وقال عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تتمنوا لقاء العدو ، واسألوا الله العافية
فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله فإن أجلبوا{[13041]} وضجوا{[13042]} فعليكم بالصمت{[13043]}
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي ، حدثنا أمية بن بِسْطام ، حدثنا معتمر بن سليمان ، حدثنا ثابت بن زيد ، عن رجل ، عن زيد بن أرقم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يحب الصمت عند ثلاث : عند تلاوة القرآن ، وعند الزَّحف ، وعند الجنازة " {[13044]}
وفي الحديث الآخر المرفوع يقول الله تعالى : " إن عبدي كلَّ عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه{[13045]} أي : لا يشغله ذلك الحال عن ذكرى ودعائي واستعانتي .
وقال سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة في هذه الآية ، قال : افترض{[13046]} الله ذكره عند أشغل ما تكونون{[13047]} عند الضراب بالسيوف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن جُريج ، عن عطاء قال : وجب الإنصات والذكر عند الزحف ، ثم تلا هذه الآية ، قلت : يجهرون بالذكر ؟ قال : نعم .
وقال أيضًا : قُرئ علي يونس بن عبد الأعلى ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش{[13048]} عن يزيد بن قوذر ، عن كعب الأحبار قال : ما من شيء أحب إلى الله تعالى من قراءة القرآن والذكر ، ولولا ذلك ما أمر الناس بالصلاة والقتال ، ألا ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال ، فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
قال الشاعر : ذكرتك والخَطى يخطرُ بَيْنَنَا *** وَقَد نَهَلَتْ فِينَا المُثَقَّفَةُ السُّمْرُ
وقال عنترة : {[13049]}
ولَقَد ذَكَرْتُك والرِّمَاحُ شَوَاجِرٌ *** فِينَا وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُر منْ دَمِي [ فوددت تقبيل السيوف لأنها *** لمعت كبارق ثغرك المتبسم ]{[13050]}
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلَحُونَ } .
وهذا تعريف من الله جلّ ثناؤه أهل الإيمان به السيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال التي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم ، ثم يقول جلّ ثناؤه لهم : يا أيها الذين آمنوا ، صدّقوا الله ورسوله إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال ، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين ، إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة منكم . وَاذْكُرُوا الله كَثيرا يقول : وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم ، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره . لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول : كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم ، ويرزقكم الله النصر والظفر عليهم . كما :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيُتمْ فِئَةً يقاتلونكم في سبيل الله ، فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرا اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم ، لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ .
{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة } حاربتم جماعة ولم يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار ، واللقاء مما غلب في القتال . { فاثبُتوا } للقائهم . { واذكروا الله كثيرا } في مواطن الحرب داعين له مستظهرين بذكره مترقبين لنصره . { لعلكم تفلحون } تظهرون بمرادكم من النصرة والمثوبة ، وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي أن لا يشغله شيء عن ذكر الله ، وأن يلتجئ إليه عند الشدائد ويقبل عليه بشراشره فارغ البال واثقا بأن لطفه لا ينفك عنه في شيء من الأحوال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.