المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ} (53)

53- وبمثل هذا الابتلاء الذي جرت به سُنَّتنا ، امتحنا المتكبرين بسبق الضعفاء إلى الإسلام ، ليقول المتكبرون مستنكرين ساخرين ، هل هؤلاء الفقراء هم الذين أنعم الله عليهم من بيننا بالخير الذي يعدهم به محمد ؟ إن هؤلاء الفقراء يعرفون نعمة الله عليهم بالتوفيق إلى الإيمان فيشكرونه . والله أعلم بمن يشكرون فضله ونعمه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ} (53)

وقوله : { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي : ابتلينا واختبرنا وامتحنا بعضهم ببعض { لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غالب من اتبعه في أول البعثه ، ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء ، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل ، كما قال قومُ نوح لنوح : { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } الآية [ هود : 27 ] ، وكما قال{[10707]} هرقل ملك الروم لأبي سفيان حين سأله [ عن تلك ]{[10708]} المسائل ، فقال له : فهل{[10709]} اتبعه ضعفاء الناس أو أشرافهم ؟ قال : بل ضعفاؤهم . فقال : هم أتباع الرسل{[10710]}

والغرض : أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ، ويعذبون من يقدرون عليه منهم ، وكانوا يقولون : { أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } ؟ أي : ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير - لو كان ما صاروا إليه خيرا - ويدعنا ، كما قالوا : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [ الأحقاف : 11 ] ، وكما قال تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } [ مريم : 73 ] .

قال الله تعالى في جواب ذلك : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا } [ مريم : 74 ] ، وقال في جوابهم حين قالوا : { أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } أي : أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم ، فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويهديهم إليه صراطًا مستقيما ، كما قال تعالى { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت : 69 ] . وفي الحديث الصحيح : " إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى ألوانكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " {[10711]}

/خ53

/خ52


[10707]:في م، أ: "سأل".
[10708]:زيادة من أ.
[10709]:في أ: "هل"
[10710]:القصة في صحيح البخاري برقم (7) من حديث عبد الله بن عباس، رضي الله عنه.
[10711]:رواه مسلم في صحيحه برقم (2564).