قوله تعالى : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي } روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود . قالت قريش : تدني هؤلاء السفلة هم الذين يلونك أي : يصرونك . فوقع في قلبه أن يطردهم فنزل : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي } وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال : كان رجال يستبقون إلى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيهم بلال وصهيب ، فيجيء أشراف من قومه وسادتهم فيجلسون ناحية فقالوا له : إنّا سادات قومك وأشرافهم فلو أدنيتنا ؟ فهم أن يفعل فنزل { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي } الآية . ويقال : إن أبا جهل وأصحابه اختالوا ليطرد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن نفسه . فقالوا : إن محمداً يتبعه الموالي والأراذل فلو طردهم لاتّبعناه . فاستعانوا بعمر رضي الله عنه فأخبر عمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يفعل ذلك . فنزل : { وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } يعني : يعبدون ربهم { بالغداة والعشي } يعني : يصلون لله تعالى في أول النهار وآخره { يُرِيدُونَ } يعني : يريدون بصلواتهم وجه الله تعالى { وجه الله مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَيْء } يعني : ما عليك من عملهم من شيء { وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَيْء } يعني : الإثم ويقال : معناه : فما عليك إن لم يسلموا ، فليس عليك من أوزارهم شيء . ويقال : يعني به : الضعفة من المسلمين ، فلا تطردهم لأنه ليس عليك من حسابهم من شيء أي : فليس عليك من أرزاقهم شيء لكن أرزاقهم على الله .
ثم قال : { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين } يعني : لو طردتهم من مجلسك فتكون من الضارين بنفسك . قرأ ابن عامر : { بالغدوة } وقرأ الباقون : { رَبَّهُمْ بالغداة } وهما لغتان .
{ وَكذلِكَ فَتَنَّا } يقول : هكذا ابتلينا { بَعْضَهُم بِبَعْضٍ } يعني : الشريف بالوضيع ، والعربي بالمولى ، والغني بالفقير { لّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا } فلم يكن الاختبار لأجل أن يقولوا ذلك . ولكن كان الاختبار سبباً لقولهم .
وهكذا قوله تعالى : { فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين } [ القصص : 8 ] فلم يأخذوه لأجل ذلك ، ولكن كان أخذهم سبباً لذلك فكأنهم أخذوه لأجل ذلك ، هاهنا ما كان الاختبار لأجل أن يقولوا هؤلاء منّ الله عليهم من بيننا لأنهم كانوا يقولون : لو كان خيراً ما سبقونا إليه . ومعناه : ليظهر الذين يقولون : هؤلاء منّ الله عليهم من بيننا .
قال الله تعالى : { أَلَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بالشاكرين } يعني : بالموحدين منكم من غيرهم . قال الكلبي : فلما نزلت هذه الآية جاء عمر رضي الله عنه فاعتذر . فنزلت هذه الآية : { وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بآياتنا } يعني عمر { فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ } يعني : قبلتُ توبتكم . ويقال : قبل الله عذركم . ويقال : المعنى { وإذا جاءك الذين يؤمنون } بآياتنا يعني : الضعفة من المسلمين ، فابتدئ بالسلام . وقل : سلام عليكم { كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } يعني : أوجب الرحمة وقبول التوبة { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ } يعني : من ركب معصية وهو جاهل بركوبها ، وإن كان يعلم أنها معصية { ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ } بعد السوء { وَأَصْلَحَ } العمل { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } غفور يعني : متجاوز للذنوب { رحيم } حين قبل التوبة ، ويقال : معناه : من عمل منكم سوءاً ثم تاب يغفر له ، فكيف من كان قصده الخير فهو أولى بالرحمة .
وروى سفيان عن مجمع عن ماهان الحنفي قال : جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد أصابوا ذنوباً عظاماً فأعرض عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل : { وَإِذَا جَاءكَ الذين يُؤْمِنُونَ بآياتنا فَقُلْ سلام عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } قرأ عاصم وابن عامر { أَنَّهُ مَن عَمِلَ } : بنصب الألف . فإنه غفور بالنصب على معنى البناء ومعناه : كتب { أَنَّهُ } وقرأ نافع : { أَنَّهُ } بالنصب على معنى البناء { فَإِنَّهُ } بالكسر على معنى الابتداء . وقرأ الباقون : كلاهما بالكسر على معنى الابتداء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.