في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ} (53)

50

وكانت هذه هي الفتنة التي قدرها الله لهؤلاء المتعالين بالمال والنسب ؛ والذين لم يدركوا طبيعة هذا الدين ؛ وطبيعة الدنيا الجديدة التي يطلع بها على البشرية ، مشرقة الآفاق ، مصعدة بهذه البشرية إلى تلك القمة السامقة ؛ التي كانت يومذاك غريبة على العرب وعلى الدنيا كلها ؛ وما تزال غريبة في ما يسمونه الديمقراطيات على اختلاف أشكالها وأسمائها !

( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا : أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ؟ ) . .

ويرد السياق القرآني على هذا الاستفهام الاستنكاري الذي يطلقه الكبراء :

( أليس الله بأعلم بالشاكرين ) ؟

هذا الرد الحافل بالإيحاءات والإيماءات :

إذ يقرر ابتداء أن الهدى جزاء يجزي به الله من يعلم من أمرهم أنهم إذا هدوا سيشكرون هذه النعمة ، التي لا كفاء لها من شكر العبد ، ولكن الله يقبل منه جهده ويجزيه عليه هذا الجزاء الهائل الذي لا يعدله جزاء .

وإذ يقرر أن نعمة الإيمان لا تتعلق بقيمة من قيم الأرض الصغيرة التي تسود في الجاهليات البشرية . إنما يختص الله بها من يعلم أنهم شاكرون عليها . لا يهم أن يكونوا من الموالي والضعاف والفقراء . فميزان الله لا مكان فيه لقيم الأرض الصغيرة التي تتعاظم الناس في الجاهليات !

وإذ يقرر أن اعتراض المعترضين على فضل الله إنما ينشأ من الجهالة بحقائق الأشياء . وأن توزيع هذا الفضل على العباد قائم على علم الله الكامل بمن يستحقه من هؤلاء العباد . وما اعتراض المعترضين إلا جهل وسوء أدب في حق الله . .