الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ} (53)

قوله تعالى : " وكذلك فتنا بعضهم ببعض " أي كما فتنا من قبلك كذلك فتنا هؤلاء . والفتنة الاختبار ، أي عاملناهم معاملة المختبرين . " ليقولوا " نصب بلام كي ، يعني الأشراف والأغنياء . " أهؤلاء " يعني الضعفاء والفقراء . " من الله عليهم من بيننا " قال النحاس : وهذا من المشكل ؛ لأنه يقال : كيف فتنوا ليقولوا هذه الآية ؟ لأنه إن كان إنكارا فهو كفر منهم . وفي هذا جوابان : أحدهما : أن المعنى اختبر الأغنياء بالفقراء أن تكون مرتبتهم واحدة عند النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليقولوا على سبيل الاستفهام لا على سبيل الإنكار " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " والجواب الآخر : أنهم لما اختبروا بهذا فآل عاقبته إلى أن قالوا هذا على سبيل الإنكار ، وصار مثل قوله : " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا{[6387]} " [ القصص : 8 ] . " أليس الله بأعلم بالشاكرين " فيمن عليهم بالإيمان دون الرؤساء الذين علم الله منهم الكفر ، وهذا استفهام تقرير ، وهو جواب لقولهم : " أهؤلاء من الله عليهم من بيننا " وقل : المعنى أليس الله بأعلم من يشكر الإسلام إذا هديته إليه .


[6387]:راجع ج 15 ص 276.