غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لِّيَقُولُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ} (53)

51

{ وكذلك } أي مثل ذلك الفتن العظيم { فتنا } ابتلينا بعض الناس ببعض ، فأحد الفريقين وهم الكفار يرى الآخر مقدماً عليه في المناصب الدينية فيقول { أهؤلاء } المسترذلون { منّ الله عليهم من بيننا } كقوله : { أألقي الذكر عليه من بيننا } [ القمر : 25 ] والفريق الآخر يرى الأول مقدماً عليه في الخيرات العاجلة والخصب والسعة الراحة والدعة فيقول : أهذا هو الذي فضله الله علينا . وأما المحققون فهم الذين يعلمون أن كل ما فعله الله فهو صواب ، ولا اعتراض عليه بحكم المالكية وبحسب رعاية الأصلح . وبالجملة فصفات الكمال غير محصورة ولا تجتمع في إنسان واحد البتة بل هي موزعة على الخلائق وكلها محبوبة لذاتها . فكل إنسان يحسد صاحبه على ما آتاه الله تعالى من صفة الكمال ، فمن عرف سر القدر رضي بنصيب نفسه وسكت عن التعرض لغيره وعاش عيشاً طيباً في الدنيا والآخرة . قال هشام بن الحكم الافتتان الاختبار والامتحان ، وفيه دليل على أنه تعالى لا يعلم الجزيئات إلا عن حدوثها . والجواب أنه يعامل المكلف معاملة المختبر وقد مر مراراً . وقالت الأشاعرة : في الآية دلالة على مسألة خلق الأعمال لأن تلك الفتنة التي ألقاها الله تعالى ليست إلا اعتراضهم على الله والاعتراض عليه كفر . فهو تعالى خالق للكفر . وأيضاً منة الله عليهم ليست إلا بالإيمان ومتابعة الرسول ، فلو كان الموجد للإيمان هو العبد كان العبد هو المان على نفسه . أجاب المعتزلة بأن معنى فتناهم ليقولوا خذلناهم حتى آل أمرهم إلى أن قالوا : فتكون اللام لام العاقبة ، وزيف بأنه عدول عن الظاهر مع أنا ننقل الكلام إلى الخذلان فلا بد من الانتهاء إليه تعالى { أليس الله بأعلم بالشاكرين } بمن يصرف كل ما أنعم به عليه فيما أعطاه لأجله فيظهر أفعاله على حسب معلوم الله تعالى . وقال في الكشاف : أي الله أعلم بمن يقع منه الإيمان والشكر فيوفقه للإيمان ، وبمن يصمم على كفره فيخذله ويمنعه التوفيق .

/خ60