المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

11- قال الكافرون : ربنا أمتنا موتتين : موتة من حياتنا الدنيا ، وموتة من حياتنا في البرزخ{[198]} وأحييتنا مرتين : مرة هي حياتنا الدنيا ، ومرة أخرى بالبعث من القبور ، فهل إلى خروجنا من العذاب من طريق .


[198]:وقد يدل على حياة البرزخ ـ التي هي حياة خاصة لا نعلم كنهها ـ ما ذكره الله تعالى في قوله عن آل فرعون {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا، ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون}.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

والآن - وقد سقط عنهم غشاء الخداع والضلال - يعرفون أن المتجه لله وحده فيتجهون :

( قالوا : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل ) . .

وهي كلمة الذليل اليائس البائس . . ( ربنا ) . . وقد كانوا يكفرون وينكرون . أحييتنا أول مرة فنفخت الروح في الموات فإذا هو حياة ، وإذا نحن أحياء . ثم أحييتنا الأخرى بعد موتنا ، فجئنا إليك . وإنك لقادر على إخراجنا مما نحن فيه . وقد اعترفنا بذنوبنا . ( فهل إلى خروج من سبيل ? ) . بهذا التنكير الموحي باللهفة واليأس المرير .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ} (11)

جواب عن النداء الذي نودوا به من قِبل الله تعالى فحكي مقالهم على طريقة حكاية المحاورات بحذف حرف العطف ، طمعوا أن يكون اعترافهم بذنوبهم وسيلة إلى منحهم خروجاً من العذاب خروجاً مَّا ليستريحوا منه ولو بعضَ الزمن ، وذلك لأن النداء الموجه إليهم من قبل الله أوهمهم أن فيه إقبالاً عليهم .

والمقصود من الاعتراف هو اعترافهم بالحياة الثانية لأنهم كانوا ينكرونها وأما الموتتان والحياة الأولى فإنما ذُكِرْن إِدماجاً للاسْتدلال في صُلب الاعتراف تزلفاً منهم ، أي أيقَنَّا أن الحياة الثانية حق وذلك تعريض بأن إقرارهم صدق لا مواربة فيه ولا تصنع لأنه حاصل عن دليل ، ولذلك جعل مسبباً على هذا الكلام بعطفه بفاء السببية في قوله : { فاعترفنا بذُنُوبنا } .

والمراد بإحدى الموتتين : الحالةُ التي يكون بها الجنين لَحْماً لا حياة فيه في أول تكوينه قبل أن يُنفخ فيه الروح ، وإطلاق الموت على تلك الحالة مجاز وهو مختار الزمخشري والسكاكي بناء على أن حقيقة الموت انعدام الحياة من الحي بعد أن اتصف بالحياة ، فإطلاقه على حالة إنعدام الحياة قبلَ حصولها فيه استعارةٌ ، إلا أنها شائعة في القرآن حتى ساوت الحقيقة فلا إشكال في استعمال { أمتنا } في حقيقته ومجازه ، ففي ذلك الفعل جمع بين الحقيقة والاستعارة التبعية تبعاً لِجريان الاستعارة في المصدر ، ولا مانع من ذلك لأنه واقع ووارد في الكلام البليغ كاستعمال المشترككِ في معنييه ، والذين لا يرون تقييد مدلول الموت بأن يكون حاصلاً بعد الحياة يكون إطلاق الموت على حالة ما قبل الاتصاف بالحياة عندهم واضحاً ، وتقدم في قوله تعالى : { وكنتم أمواتاً فأحياكم } في سورة [ البقرة : 28 ] ، على أن إطلاق الموت على الحالة التي قبل نفخ الروح في هذه الآية أسوغ لأن فيه تغليباً للموتة الثانية . وأما الموتة الثانية فهي الموتة المتعارفة عند انتهاء حياة الإنسان والحيوان .

والمراد بالاحياءتَيْن : الاحياءة الأولى عند نفخ الروح في الجسد بعد مبدأ تكوينه ، والإِحياءة الثانية التي تحصل عند البعث ، وهو في معنى قوله تعالى : { وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } [ البقرة : 28 ] .

وانتصب { اثنتين } في الموضعين على الصفة لمفعول مطلق محذوف . والتقدير : موتتين اثنتين وإحياءتَيْن اثنتين فيجيء في تقدير موتتين تغليب الاسم الحقيقي على الاسم المجازي عند من يُقيِّد معنى الموت .

وقد أورد كثير من المفسرين إشكال أن هنالك حياةً ثالثة لم تذكر هنا وهي الحياةُ في القبر التي أشار إليها حديث سؤال القَبر وهو حديث اشتهر بين المسلمين من عهد السلف ، وفي كون سؤال القبر يقتضي حياة الجسم حياة كاملة احتمال ، وقد يُتأول بسؤال روح الميت عِند جسده أو بحصول حياة بعض الجسد أو لأنها لما كانت حياة مؤقتة بمقدار السؤال ليس للمتصف بها تصرف الإِحياء في هذا العالم ، لم يعتد بها لاسيما والكلام مراد منه التوطئة لسؤال خروجهم من جهنم ، وبهذا يعلم أن الآية بمعزل عن أن يستدل بها لثبوت الحياة عند السؤال في القبر .

وتفرع قولهم : { فاعترفنا بذُنُوبنا } على قولهم : { وأحييتنا اثنتين } اعتبار أن إحدى الإِحياءتين كانت السبب في تحقق ذنوبهم التي من أصولها إنكارهم البعث فلما رأوا البعث رأي العين أيقنوا بأنهم مذنبون إذ أنكروه ومذنبون بما استكثروه من الذنوب لاغترارهم بالأمن من المؤاخذة عليهم بعد الحياة العاجلة .

فجملة { فاعترفنا بذُنُوبنا } إنشاء إقرار بالذنوب ولذلك جيء فيه بالفعل الماضي كما هو غالب صيغ الخبر المستعمل في الإِنشاء مثل صيغ العقود نحو : بعتُ . والمعنى : نعترف بذنوبنا .

وجعلوا هذا الاعتراف ضرباً من التوبة توهماً منهم أن التوبة تنفع يومئذٍ ، فلذلك فرعوا عليه : { فَهَل إلى خُرُوج مِن سبيل } ، فالاستفهام مستعمل في العَرض والاستعطاف كلياً لرفع العذاب ، وقَد تكرر في القرآن حكاية سؤال أهل النار الخروجَ أو التخفيف ولو يوماً .

والاستفهام بحرف { هَل } مستعمل في الاستعطاف . وحرف { مِن } زائد لتوكيد العموم الذي في النكرة ليفيد تطلبهم كل سبيل للخروج وشأن زيادة { مِن } أن تكُون في النفي وما في معناه دون الاثبات . وقد عُدّ الاستفهام ب { هل } خاصة من مواقع زيادة { مِن } لتوكيد العموم كقوله تعالى : { وتقول هل من مزيد } [ ق : 30 ] ، وتقدم ذلك عند قوله تعالى : { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا } في سورة [ الأعراف : 53 ] ، وأن وجه اختصاص { هَل بوقوع مِن الزائدة في المستفهم عنه بها أنه كثر استعمال الاستفهام بها في معنى النفي ، وزيادةُ من حينئذٍ لتأكيد النفي وتنصيص عموم النفي ، فخف وقوعها بعد هل على ألسن أهل الاستعمال .

وتنكير خروج للنَّوعية تلطفاً في السؤال ، أي إلى شيء من الخروج قليللٍ أو كثير لأن كل خروج يتنفعون به راحةٌ من العذاب كقولهم : { ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب } [ غافر : 49 ] .

والسبيل : الطريق واستعير إلى الوسيلة التي يحصل بها الأمر المرغوب ، وكثُر تصرف الاستعمال في إطلاقات السبيل والطريق والمسلك والبلوغ على الوسيلة وبحصول المقصود .

وتنكير { سبيل } كتنكير { خروج } أي من وسيلة كيف كانت بحق أو بعفو بتخفيف أو غير ذلك .

قال في « الكشاف » « وهذا كلامُ من غلب عليه اليأس والقنوط » يريد أَنَّ في اقتناعهم بخروج مَّا دلالة على أنهم يستبعدون حُصول الخروج .