المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (81)

81- ولست بمستطيع أن تهدى إلى الحق من عميت أبصارهم وبصائرهم ، ولا يمكنك أن تُسمع إلا من يقبل على الإيمان بآياتنا ، فهم مطيعون مستجيبون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (81)

59

ويخرجهم مرة في صورة العمي يمضون في عماهم ؛ لا يرون الهادي لأنهم لا يبصرون ! وتتراءى هذه الصور المجسمة المتحركة ، فتمثل المعنى وتعمقه في الشعور !

وفي مقابل الموتى والعمي والصم يقف المؤمنون . فهم الأحياء ، وهم السامعون ، وهم المبصرون .

( إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ) . .

إنما تسمع الذين تهيأت قلوبهم لتلقي آيات الله ، بالحياة والسمع والبصر . وآية الحياة الشعور . وآية السمع والبصر الانتفاع بالمسموع والمنظور . والمؤمنون ينتفعون بحياتهم وسمعهم وأبصارهم . وعمل الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] هو أن يسمعهم ، فيدلهم على آيات الله ، فيستسلمون لتوهم ولحظتهم ( فهم مسلمون ) .

إن الإسلام بسيط وواضح وقريب إلى الفطرة السليمة ؛ فما يكاد القلب السليم يعرفه ، حتى يستسلم له ، فلا يشاق فيه . وهكذا يصور القرآن تلك القلوب ، القابلة للهدى ، المستعدة للاستماع ، التي لا تجادل ولا تماري بمجرد أن يدعوها الرسول فيصلها بآيات الله ، فتؤمن لها وتستجيب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (81)

{ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } حيث الهداية لا تحصل إلا بالبصر . وقرأ حمزة وحده " وما أنت تهدي العمي " { إن تسمع } أي ما يجدي إسماعك . { إلا يؤمن بآياتنا } من هو في علم الله كذلك . { فهم مسلمون } مخلصون من أسلم وجهه لله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (81)

{ وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم }

كرر تشبيه المشركين في إعراضهم عن الحق بأن شبهوا في ذلك بالعمي بعد أن شبهوا بالموتى وبالصم على طريقة الاستعارة إطناباً في تشنيع حالهم الموصوفة على ما هو المعروف عند البلغاء في تكرير التشبيه كما تقدم عند قوله تعالى { أو كصيب من السماء } في سورة البقرة ( 19 ) .

وحسن هذا التكرير هنا ما بين التشبيهين من الفروق مع اتحاد الغاية ؛ فإنهم شبهوا بالموتى في انتفاء إدراك المعاني الذي يتمتع به العقلاء ، وبالصم في انتفاء إدراك بلاغة الكلام الذي يضطلع به بلغاء العرب . وشبهوا ثالثاً بالعمي في انتفاء التمييز بين طريق الهدى وطريق الضلال من حيث إنهم لم يتبعوا هدي دين الإسلام . والغاية واحدة وهي انتفاء اتباعهم الإسلام ففي تشبيههم بالعمي استعارة مصرحة ، ونفي إنقاذهم عن ضلالتهم ترشيح للاستعارة لأن الأعمى لا يبلغ إلى معرفة الطريق بوصف الواصف .

والهدى : الدلالة على طريق السائر بأن يصفه له فيقول مثلاً : إذا بلغت الوادي فخذ الطريق الأيمن .

والذي يسلك بالقوافل مسالك الطرق يسمى هادياً .

والتوصل إلى معرفة الطريق يسمى اهتداء . وهذا الترشيح هو أيضاً مستعار لبيان الحق والصواب للناس ، والأعمى غير قابل للهداية بالحالتين حالة الوصف وهي ظاهرة ، وحالة الاقتياد فإن العرب لم يكونوا يأخذون العمي معهم في أسفارهم لأنهم يعرقلون على القافلة سيرها .

وقوله { عن ضلالتهم } يتضمن استعارة مكنية قرينتها حالية . شبه الدين الحق بالطريق الواضحة ، وإسناد الضلالة إلى سالكيه ترشيح لها وتخييل ، والضلالة أيضاً مستعارة لعدم إدراك الحق تبعاً للاستعارة المكنية ، وأطلقت هنا على عدم الاهتداء للطريق ، وضمير { ضلالتهم } عائد إلى العمي ، ولتأتي هذه الاستعارة الرشيقة عدل عن تعليق ما حقه أن يعلق بالهدي فعلق به ما يقتضيه نفي الهدي من معنى الصرف والمباعدة . فقيل { عن ضلالتهم } بتضمين { هادي } معنى صارف . فصار : ما أنت بهاد ، بمعنى : ما أنت بصارفهم عن ضلالتهم كما يقال : سقاه عن العيمة ، أي سقاه صارفاً له عن العيمة ، وهي شهوة اللبن .

وعدل في هذه الجملة عن صيغتي النفيين السابقين في قوله { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء } [ النمل : 80 ] الواقعين على مسندين فعليين ، إلى تسليط النفي هنا على جملة اسمية للدلالة على ثبات النفي . وأكد ذلك الثبات بالباء المزيدة لتأكيد النفي .

ووجه إيثار هذه الجملة بهاذين التحقيقين هو أنه لما أفضى الكلام إلى نفي اهتدائهم وكان اهتداؤهم غاية مطمح الرسول صلى الله عليه وسلم كان المقام مشعراً ببقية من طمعه في اهتدائهم حرصاً عليهم فأكد له ما يقلع طمعه ، وهذا كقوله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت } [ القصص : 56 ] وقوله

{ وما أنت عليهم بجبار } [ ق : 45 ] . وسيجيء في تفسير نظير هذه الآية من سورة الروم توجيه لتعداد التشابيه الثلاثة زائداً على ما هنا فانظره .

وقرأ حمزة وحده { وما أنت تهدي } بمثناه فوقيه في موضع الموحدة وبدون ألف بعد الهاء .

{ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بآياتنا فَهُم مسلمون } .

استئناف بياني لترقب السامع معرفة من يهتدون بالقرآن .

والإسماع مستعمل في معناه المجازي كما تقدم .

وأوثر التعبير بالمضارع في قوله { من يؤمن } ليشمل من آمنوا من قبل فيفيد المضارع استمرار إيمانهم ومن سيؤمنون .

وقد ظهر من التقسيم الحاصل من قوله { إنك لا تسمع الموتى } [ النمل : 80 ] إلى هنا ، أن الناس قسمان منهم من طبع الله على قلبه وعلم أنه لا يؤمن حتى يعاجله الهلاك ، ومنهم من كتب الله له السعادة فيؤمن سريعاً أو بطيئاً قبل الوفاة .

وفرع عليه { فهم مسلمون } المفيد للدوام والثبات لأنهم إذا آمنوا فقد صار الإسلام راسخاً فيهم ومتمكناً منهم ، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (81)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم {وما أنت بهادي العمي} إلى الإيمان {عن ضلالتهم} يعني: عن كفرهم {إن تسمع} يقول: ما تسمع الإيمان {إلا من يؤمن بآياتنا} إلا من يصدق بالقرآن أنه من الله عز وجل، {فهم مسلمون} يقول: فهم مخلصون بتوحيد الله عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين:"وما أنْتَ بِهادِي" بالياء والألف وإضافته إلى العمي بمعنى: لست يا محمد بهادي من عمي عن الحقّ "عَنْ ضَلالَتِهِ". وقراءة عامة قرّاء الكوفة «وَما أنْتَ تَهْدِي العُمْىَ» بالتاء ونصب العمي، بمعنى: ولست تهديهم عَنْ ضَلالَتهِمْ ولكن الله يهديهم إن شاء.

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا المعنى مشهورتان في قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام ما وصفت: "وَما أنتَ "يا محمد بِهادِي من أعماه الله عن الهدى والرشاد فجعل على بصره غشاوة أن يتبين سبيل الرشاد عن ضلالته التي هو فيها إلى طريق الرشاد وسبيل الرشاد. وقوله: "إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا" يقول: ما تقدر أن تُفهم الحقّ وتوعيه أحدا إلا سمع من يصدّق بآياتنا، يعني بأدلته وحججه وآي تنزيله "فَهُمْ مُسْلمُونَ" فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه، ويفكرون فيه، ويعملون به، فهم الذين يسمعون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هذا يدل أن ليس كل الهدى البيان... لأنه لو كان الهدى كله بيانا في جميع المواضع... لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر أن يبين للكفرة ضلالهم، وقد بين لهم. ثم أخبر رسوله: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} فدل هذا أن عنده هداية ولطفا لو سألوه، وطلبوا منه ذلك، فأعطاهم، لاهتدوا، وآمنوا... وقوله تعالى: {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} أي ما تسمع إلا أهل الإيمان بالآيات وأهل الإسلام منهم. فأما أهل العناد والمكابرة فلا.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وإنما شبه الله تعالى الكفار بأنهم عمي، لانهم من حيث لم يهتدوا إلى الحق، ولم يصيروا اليه فكأنهم عمي، وانما نفى أن يهديهم إلى الحق بأن يحملهم عليه او يجبرهم عليه، ولم ينتف أن يكون هاديا لهم بالدعاء إليه، ويبين لهم الحق فيه. وقوله "إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا "معناه لا تسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا ولا يلبث أن يسلم، لأن الدلائل تظهر له، وعقله يخاصمه حتى يقول بالحق ويعتقده. وإنما قال إنه يسمع المؤمنين، من حيث إنهم الذين ينتفعون به ويسلمون له.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أنت تهديهم من حيث الدعاء والدلالة، ولكنك لا تهدي أحداً من حيث إزالة الباطل من القلب وإمالته إلى العرفان، إذ ليست بقُدْرَتِكَ الإزالة أو الإمالة. أنت لا تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يؤمِن بآياتنا، فلا يَسْمَعُ منك إِلاّ مَنْ أسعدناه من حيث التوفيق والإرشاد إِلى الطريق.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وما أنت بهادي} أي بموجد الهداية على الدوام في قلوب {العمي} أي في أبصارهم وبصائرهم مزيلاً لهم وناقلاً ومبعداً {عن ضلالتهم} عن الطريق بحيث تحفظهم عن أن يزالوا عنها أصلاً، فإن هذا لا يقدر عليه إلا الحي القيوم... ولما كان ربما أوقف عن دعائهم، رجاه في انقيادهم وارعوائهم بقوله: {إن} أي ما {تسمع} أي سماع انتفاع على وجه الكمال، في كل حال {إلا من يؤمن} أي من علمناه أنه يصدق {بآياتنا} بأن جعلنا فيه قابلية السمع. ثم سبب عنه قوله دليلاً على إيمانه: {فهم مسلمون} أي في غاية الطواعية لك في المنشط والمكره، لا خيرة لهم ولا إرادة في شيء من الأشياء.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي مقابل الموتى والعمي والصم يقف المؤمنون. فهم الأحياء، وهم السامعون، وهم المبصرون. (إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون).. إنما تسمع الذين تهيأت قلوبهم لتلقي آيات الله، بالحياة والسمع والبصر. وآية الحياة الشعور. وآية السمع والبصر الانتفاع بالمسموع والمنظور. والمؤمنون ينتفعون بحياتهم وسمعهم وأبصارهم. وعمل الرسول [صلى الله عليه وسلم] هو أن يسمعهم، فيدلهم على آيات الله، فيستسلمون لتوهم ولحظتهم (فهم مسلمون). إن الإسلام بسيط وواضح وقريب إلى الفطرة السليمة؛ فما يكاد القلب السليم يعرفه، حتى يستسلم له، فلا يشاق فيه. وهكذا يصور القرآن تلك القلوب، القابلة للهدى، المستعدة للاستماع، التي لا تجادل ولا تماري بمجرد أن يدعوها الرسول فيصلها بآيات الله، فتؤمن لها وتستجيب.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

كرر تشبيه المشركين في إعراضهم عن الحق بأن شبهوا في ذلك بالعمي بعد أن شبهوا بالموتى وبالصم على طريقة الاستعارة إطناباً في تشنيع حالهم الموصوفة على ما هو المعروف عند البلغاء في تكرير التشبيه كما تقدم عند قوله تعالى {أو كصيب من السماء} في سورة البقرة (19). وحسن هذا التكرير هنا ما بين التشبيهين من الفروق مع اتحاد الغاية؛ فإنهم شبهوا بالموتى في انتفاء إدراك المعاني الذي يتمتع به العقلاء، وبالصم في انتفاء إدراك بلاغة الكلام الذي يضطلع به بلغاء العرب. وشبهوا ثالثاً بالعمي في انتفاء التمييز بين طريق الهدى وطريق الضلال من حيث إنهم لم يتبعوا هدي دين الإسلام. والغاية واحدة وهي انتفاء اتباعهم الإسلام ففي تشبيههم بالعمي استعارة مصرحة، ونفي إنقاذهم عن ضلالتهم ترشيح للاستعارة لأن الأعمى لا يبلغ إلى معرفة الطريق بوصف الواصف...

وقوله {عن ضلالتهم}... بتضمين {هادي} معنى صارف. فصار: ما أنت بهاد، بمعنى: ما أنت بصارفهم عن ضلالتهم... وعدل في هذه الجملة عن صيغتي النفيين السابقين في قوله {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء} [النمل: 80] الواقعين على مسندين فعليين، إلى تسليط النفي هنا على جملة اسمية للدلالة على ثبات النفي. وأكد ذلك الثبات بالباء المزيدة لتأكيد النفي. ووجه إيثار هذه الجملة بهاذين التحقيقين هو أنه لما أفضى الكلام إلى نفي اهتدائهم وكان اهتداؤهم غاية مطمح الرسول صلى الله عليه وسلم كان المقام مشعراً ببقية من طمعه في اهتدائهم حرصاً عليهم فأكد له ما يقلع طمعه، وهذا كقوله تعالى {إنك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56] وقوله {وما أنت عليهم بجبار} [ق: 45].

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

على العكس من ذلك من كان حريصا على كشف حقيقة ذاته، والتعرف على جوهر إنسانيته، وإدراك دوره في الحياة ورسالته، فإنه لا محالة يفتح قلبه وعقله للتأمل والنظر، ويفتح أذنه وعينه لاستيعاب كل ما يسمعه ويراه من المثلات والعبر، فينقاد للحق الذي طالما بحث عنه وسعى إليه، وبمجرد ما يكتشفه ويعثر عليه، وعلى مثل هذا الصنف من الناس يصدق قوله تعالى في ختام هذه الحصة: {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

فرق بين سماع قالة الحق أو قضية الصدق، وأنت خالي الذهن، وبين أن تسمعها وأنت مشغول بنقيضها، فلكي يثمر السماع ينبغي أن تستقبل الدعوة بذهن خال ثم تبحث بعقلك الدعوة وما يناقضها، فما انجذبت إليه واطمأنت إليه نفسك فأدخله. وهذه يسمونها – حتى في الماديات- نظرية الحيز. أي: أن الحيز الواحد لا يتسع لشيئين في الوقت نفسه. وسبق أن مثلنا لذلك بالقارورة حين تملأها بالماء لا بد أن يخرج منها الهواء أولا على شكل فقاعات؛ لأن الماء أكثف من الهواء. ومعنى: {إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون} ولقائل أن يقول: ما دام تسمع من يؤمن بآياتنا، فما فائدة السماع وهو مؤمن؟ نقول: الآيات ثلاثة، مترتبة بعضها على بعض، فأولها: الآيات الكونية العقدية التي تشاهدها في الكون وتستدل بها على وجود إله خالق قادر فتسأل: من هذا الإله الخالق؟ فيأتي دور الرسول الذي يبين لك ويحل لك هذا اللغز، ولا بد له من آيات تدل على صدقه في البلاغ عن الله هي المعجزة، فإن غفلنا عن الآيات الكونية ذكرنا بها الرسول، فقال: ومن آياته كذا وكذا. فإذا آمنت بالآيات الكونية وبآيات المعجزات، فعليك أن تؤمن بآيات الأحكام التي جاءت بها معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وفي الحقيقة إن الآيتين آنفتي الذكر تتحدثان عن مجموعة واضحة من عوامل المعرفة وارتباط الإنسان بالعالم الخارجي وهي: «حس التشخيص»، والعقل اليقظ، في مقابل القلب الميت. «الأذن الصاغية» لاكتساب الكلام الحق، عن طريق السمع. «والعين الباصرة» لرؤية وجه الحق ووجه الباطل، عن طريق البصر. إلاّ أن العناد واللجاجة والتقليد الأعمى والذنب... كلها تعمي العين التي بها يرى الإنسان الحقيقة، [وتوقر] سمعه، وتميت قلبه. ومثل هؤلاء المعاندين المذنبين، لو جاء جميع الأنبياء والأولياء والملائكة لهدايتهم، لما أثّروا فيهم شيئاً، لأنّ ارتباطهم بالعالم الخارجي مقطوع، وهم غارقون في «مستنقع ذواتهم» فحسب!. ونظير هذا التعبير ورد في سورة البقرة وسورة الروم وسور أخرى من القرآن... و مرّة أُخرى نذكّر بهذه اللطيفة وهي أنّ المراد من الإيمان والتسليم ليس معناه أنّهم قبلوا حقائق الدين من قبل، فيكون من باب تحصيل الحاصل، بل الهدف من ذلك أن الإنسان إذا لم يكن فيه شوق للحق وخضوع لأمر الله، فإنه لا يصغي إلى كلام النّبي أبداً.