نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِي ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (81)

ولما شبههم بالصم في كونهم لا يسمعون إلا مع الإقبال ، مثلهم بالعمى في أنهم لا يهتدون في غير عوج أصلاً إلا براعٍ لا تشغله عنهم فترة ولا ملال ، فقال : { وما أنت بهادي } أي بموجد الهداية على الدوام في قلوب { العمي } أي في أبصارهم وبصائرهم مزيلاً لهم وناقلاً ومبعداً { عن ضلالتهم } عن الطريق بحيث تحفظهم عن أن يزالوا عنها أصلاً ، فإن هذا لا يقدر عليه إلا الحي القيوم ، والسياق كما ترى يشعر بتنزيل كفرهم في ثلاث رتب : عليا ككفر أبي جهل ، ووسطى كعتبة بن ربيعة ، ودنيا كأبي طالب وبعض المنافقين ، وسيأتي في سورة الروم لهذا مزيد بيان .

ولما كان ربما أوقف عن دعائهم ، رجاه في انقيادهم وارعوائهم بقوله : { إن } أي ما { تسمع } أي سماع انتفاع على وجه الكمال ، في كل حال { إلا من يؤمن } أي من علمناه أنه يصدق { بآياتنا } بأن جعلنا فيه قابلية السمع . ثم سبب عنه قوله دليلاً على إيمانه : { فهم مسلمون* } أي في غاية الطواعية لك في المنشط والمكره ، لا خيرة لهم ولا إرادة في شيء من الأشياء .