المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (122)

122- حين خطر لطائفتين من المؤمنين - وهما بنو مسلمة وبنو حارثة - أن تفشلا وترجعا ، فعصمهم الله ، فثبتوا ومضوا للقتال لأنه متولي أمرهما بالعصمة والتوفيق ، فليأخذ المؤمنون من هذا عبرة ، وليتوكلوا عليه لينصرهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (122)

121

واللمسة الثانية في هذا المشهد الأول ، هي حركة الضعف والفشل التي راودت قلوب طائفتين من المسلمين ؛ بعد تلك الحركة الخائنة التي قام بها رأس النفاق " عبد الله بن أبي بن سلول " حين انفصل بثلث الجيش ، مغضبا أن الرسول [ ص ] لم يأخذ برأيه ، واستمع إلى شباب أهل المدينة ! وقال : ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ! )فدل بهذا على أن قلبه لم يخلص للعقيدة ؛ وأن شخصه ما يزال يملأ قلبه ، ويطغى في ذلك القلب على العقيدة . . العقيدة التي لا تحتمل شركة في قلب صاحبها ، ولا تطيق لها فيه شريكا ! فإما أن يخلص لها وحدها ، وإما أن تجانبه هي وتجتويه !

( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ، والله وليهما ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

وهاتان الطائفتان - كما ورد في الصحيح - من حديث سفيان بن عيينة - هما بنو حارثة وبنو سلمة . أثرت فيهما حركة عبد الله بن أبي ، وما أحدثته من رجة في الصف المسلم ، من أول خطوة في المعركة . فكادتا تفشلان وتضعفان . لولا أن أدركتهما ولاية الله وتثبيته ، كما أخبر هذا النص القرآني :

( والله وليهما ) . .

قال عمر - رضي الله عنه - سمعت جابر بن عبد الله يقول : فينا نزلت : ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ) . . قال : نحن الطائفتان . . بنو حارثة وبنو سلمة . . وما نحب [ أو وما يسرني ] أنها لم تنزل ، لقوله تعالى : ( والله وليهما ) . . [ رواه البخاري ومسلم ] . .

وهكذا يكشف الله المخبوء في مكنونات الضمائر ؛ والذي لم يعلمه إلا أهله ، حين حاك في صدورهم لحظة ؛ ثم وقاهم الله إياه ، وصرفه عنهم ، وأيدهم بولايته ، فمضوا في الصف . . يكشفه لاستعادة أحداث المعركة ، واستحياء وقائعها ومشاهدها . ثم . . لتصوير خلجات النفوس ، وإشعار أهلها حضور الله معهم ، وعلمه بمكنونات ضمائرهم - كما قال لهم : ( والله سميع عليم )- لتوكيد هذه الحقيقة وتعميقها في حسهم . ثم لتعريفهم كيف كانت النجاة ؛ وإشعارهم عون الله وولايته ورعايته حين يدركهم الضعف ، ويدب فيهم الفشل ، ليعرفوا أين يتوجهون حين يستشعرون شيئا من هذا وأين يلتجئون . ومن ثم يوجههم هذا الوجه الذي لا وجه غيره للمؤمنين :

( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

على وجه القصر والحصر . . على الله وحده فليتوكل المؤمنون . فليس لهم - إن كانوا مؤمنين - إلا هذا السند المتين .

وهكذا نجد في الآيتين الأوليين ، اللتين يستحضر بهما القرآن مشهد المعركة وجوها ، هذين التوجيهين الكبيرين الأساسيين في التصور الإسلامي ، وفي التربية الإسلامية :

( والله سميع عليم ) . .

( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) . .

نجدهما في أوانهما المناسب ، وفي جوهما المناسب ؛ حيث يلقيان كل إيقاعاتهما ، وكل إيحاءاتهما ، في الموعد المناسب ؛ وقد تهيأت القلوب للتلقي والاستجابة والانطباع . . ويتبين - من هذين النصين التمهيديين - كيف يتولى القرآن استحياء القلوب وتوجيهها وتربيتها ؛ بالتعقيب على الأحداث ، وهي ساخنة ! ويتبين الفرق بين رواية القرآن للأحداث وتوجيهها ، وبين سائر المصادر التي قد تروي الأحداث بتفصيل أكثر ؛ ولكنها لا تستهدف القلب البشري ، والحياة البشرية ، بالإحياء والاستجاشة ، وبالتربية والتوجيه . كما يستهدفها القرآن الكريم ، بمنهجه القويم .

/خ179

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (122)

{ إذ همت } متعلق بقوله : { سميع عليم } أو بدل من إذ غدوت . { طائفتان منكم } بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي العسكر . { أن تفشلا } أن تجبنا وتضعفا . روي ( أنه عليه الصلاة والسلام خرج في زهاء ألف رجل ووعد لهم النصر إن صبروا ، فلما بلغوا الشوط انخذل ابن أبي في ثلاثمائة رجل وقال : علام نقتل أنفسنا وأولادنا ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري وقال : أنشدكم الله والإسلام في نبيكم وأنفسكم . فقال ابن أبي لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، فهم الحيان باتباعه فعصمهم الله فمضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . والظاهر أنها ما كانت عزيمة لقوله تعالى : { والله وليهما } أي عاصمهما من اتباع تلك الخطرة ، ويجوز أن يراد الله ناصرهما فما لهما يفشلان ولا يتوكلان على الله . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي فليتوكلوا عليه ولا يتوكلوا على غيره لينصرهم كما نصرهم ببدر .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِذۡ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (122)

خرج بالمسلمين إلى جبل أحُد وكان الجبل وراءهم ، وصَفَّهم للحرب ، وانكشفت الحرب عن هزيمة خفيفة لحقت المسلمين بسبب مكيدة عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين ، إذا انخزل هو وثلث الجيش ، وكان عدد جيش المسلمين سبعمائة ، وعددُ جيش أهل مكَّة ثلاثة آلاف ، وهمّت بنو سَلِمَة وبنو حَارثة من المسلمين بالانخزال ، ثُمّ عصمهم الله ، فذلك قوله تعالى : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } أي ناصرهما على ذلك الهَمّ الشيطاني ، الّذي لو صار عزماً لكان سبب شقائهما ، فلعناية الله بهما بَرّأهما الله من فعل ما همَّتا به ، وفي « البخاري » عن جابر بن عبد الله قال : " نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سَلِمة وفينا نزلتْ { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } وما يسرّني أنَّها لم تنزل والله يقول : { والله وليهما } " وانكشفت الواقعة عن مرجوحية المسلمين إذ قتل منهم سبعون ، وقتل من المشركين نيف وعشرون وقال أبو سفيان يومئذ : « اعلُ هُبَلْ يوم بيوم بدر والحربُ سِجَال » وقتل حمزة رضي الله عنه ومَثّلت به هند بنت عتبة بن ربيعة ، زوج أبي سفيان ، إذ بقرت عن بطنه وقطعت قطعة من كبده لتأكلها لإحْنَةٍ كانت في قلبها عليه إذ قتل أباها عتبة يوم بدر ، ثُمّ أسلمت بعد وحسن إسلامها .

وشُجّ وجه النَّبيء صلى الله عليه وسلم يومئذ وكُسِرَت رباعيته . والغدوّ : الخروج في وقت الغداة .

و ( مِن ) في قوله : { من أهلك } ابتدائية .

والأهل : الزوج . والكلام بتقدير مضاف يدلّ عليه فعْل { غدوتَ } أي من بيت أهلِك وهو بيت عائشة رضي الله عنها .

و { تُبَوّىء } تجعل مَبَاء أي مكان بَوْء .

والبَوْء : الرجوع ، وهو هنا المقرّ لأنَّه يبوء إليه صاحبه . وانتصب { المؤمنين } على أنَّه مفعول أوّل لِ ( تُبَوِّىء ) ، ومقاعد مفعول ثان إجراء لفعل تُبَوّىء مجرى تعطي . والمقاعد جمع مقعد . وهو مكان القعود أي الجلوس على الأرض ، والقعود ضدّ الوقوف والقيام ، وإضافة مقاعد لاسم { القتال } قرينة على أنَّه أطلق على المواضع اللاّئقة بالقتال الَّتي يثبت فيها الجيش ولا ينتقل عنها لأنَّها لائقة بحركاته ، فأطلق المقاعد هنا على مواضع القرار كناية ، أو مجازاً مرسلاً بعلاقة الإطلاق ، وشاع ذلك في الكلام حتَّى ساوى المقرّ والمكان ، ومنه قوله تعالى : { في مقعد صدق } [ القمر : 55 ] .

واعلم أنّ كلمة مقاعد جرى فيها على الشريف الرضي نقد إذ قال في رثاء أبي إسحاق الصابيء :

أعْزِزْ عَلَيّ بأن أراك وقَد خَلا *** عن جَانبَيْكَ مَقَاعِدُ العُوّاد

ذكر ابن الأثير في المَثل السائر أن ابن سنان قال : إيراده هذه اللَّفظة في هذا الموضع صحيح إلاّ أنَّه موافق لما يُكره ذِكْرُه لا سيما وقد أضافه إلى من تحتمل إضافته إليه وهم العُوّاد ، ولو انفرد لكان الأمرُ سهلاً . قال ابن الأثير : قد جاءت هذه اللَّفظة في القرآن فجاءت مرضية وهي قوله تعالى : { وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال } ألا ترى أنَّها في هذه الآية غير مضافة إلى من تُقبح إضافتها إليه .