الهم : دون العزم ، والفعل منه هم يهمُّ .
وتقول العرب : هممْتُ وهمَّتْ يحذفون أحد المضعفين كما قالوا : أمست ، وظلّت ، وأحست ، في مسست وظللت وأحسست .
وأوّلُ ما يمر الأمر بالقلب يسمى خاطراً ، فإذا تردد صار حديث نفس ، فإذ ترجَّح فعله صار هماً ، فإذا قوي واشتد صار عزماً ، فإذا قوي العزم واشتدّ حصل الفعل أو القول .
وفي الحرب : الجبن والخور ، وفي الرأي : العجز والفساد .
التوكل : تفعل من وكل أمره إلى فلان ، إذا فوَّضه له .
قال ابن فارس : هو إظهار العجز والاعتماد على غيرك ، يقال : فلان وكلة تكلة ، أي عاجز يكل أمره إلى غيره .
وقيل : هو من الوكالة ، وهو تفويض الأمر إلى غيره ثقة بحسن تدبيره .
{ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } الطائفتان : بنو سلمة من الخزرج ، وبنو حارثة من الأوس ، وهما الجناحان قاله : ابن عباس ، وجابر ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والربيع ، والسدي ، وجمهور المفسرين .
وقيل : الطائفتان هما من الأنصار والمهاجرين .
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في ألف .
وقيل : في تسعمائة وخمسين ، والمشركون في ثلاثة آلاف .
ووعدهم الفتح إن صبروا ، فانخذل عبد الله بن أبي بثلث الناس .
وسببُ انخذاله أنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين شاوره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشاوره قبلها ، فأشار عليه بالمقام في المدينة فلم يفعل وخرج ، فغضب عبد الله وقال : أطاعهم ، وعصاني .
وقال : يا قوم على مَ نقتل أنفسنا وأولادنا ، فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاري .
وفي رواية أبو جابر السلمي فقال : أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم .
فقال عبد الله : لو نعلمُ قتالاً لاتبعناكم ، فهم الجبان باتباع عبد الله ، فعصمهم الله ومضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن عباس : أضمروا أن يرجعوا ، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا ، وهذا لهمّ غير مؤاخذ به ، إذ ليس بعزيمة ، إنما هو ترجيح من غير عزم .
ولا شك أن النفس عندما تلاقي الحروب ومن يجالدها يزيد عليها مثلين وأكثر ، يلحقها بعض الضعف عن الملاقاة ، ثم يوطئها صاحبها على القتال فتثبت وتستقر .
وقولي : كلما جشأت وجاشت *** مكانك تحمدي أو تستريحي
{ وإذ همت } : بدل من إذ غدوت .
قال الزمخشري : أو عمل فيه معنى سميع عليم انتهى .
وهذا غير محرر ، لأن العامل لا يكون مركباً من وصفين ، فتحريره أن يقول : أو عمل فيه معنى سميع أو عليم ، وتكون المسألة من باب التنازع .
وجوز أن يكون معمولاً لتبوى ، ولغدوت .
وهمّ يتعدى بالباء ، فالتقدير : بأن تفشلا والمعنى : أن تفشلا عن القتال .
وأما أحسن قول الشاعر في التحريض على القتال والنهي عن الفشل :
قاتلوا القوم بالخداع ولا *** يأخذكم عن قتالهم فشل
القوم أمثالكم لهم شعر *** في الرأس لا ينشرون إن قتلوا
وأدغم السبعة تاء التأنيث في الطاء ، وعن قالون خلاف ذكرناه في عقد اللآلىء في القراءات السبع العوالي من إنشائنا .
والظاهر أن هذا الهم كان عند تبوئة الرسول صلى الله عليه وسلم مقاعد للقتال وانخذال عبد الله بمن انخذل .
وقيل : حين أشاروا عليه بالخروج وخالفوا عبد الله بن أبي .
وفي قوله : طائفتان إشارة لطيفة إلى الكناية عن من يقع منه ما لا يناسب والستر عليه ، إذ لم يعين الطائفتين بأنفسهما ، ولا صرح بمن هما منه من القبائل ستراً عليهما .
{ والله وليهما } معنى الولاية هنا التثبيت والنصر ، فلا ينبغي لهما أن يفشلا .
وقيل : جعلها من أوليائه المثابرين على طاعته .
وفي البخاري عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : فينا نزلت { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما } قال : نحن الطائفتان بنو حارثة ، وبنو سلمة .
وما تحب أنها لم تنزل لقول الله : { والله وليهما } ، قال ذلك جابر لفرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله ، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية ، وأنّ تلك الهمة المصفوح عنها لكونها ليست عزماً ، كانت سبباً لنزولها .
وقرأ عبد الله : والله وليهم أعاد الضمير على المعنى لا على لفظ التثنية ، كقوله : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } { هذان خصمان اختصموا } وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ، بل جاءت مستأنفة لثناء الله على هاتين الطائفتين .
{ وعلى الله فليتوكل المؤمنون } لما ذكر تعالى ما همت به الطائفتان من الفشل ، وأخبر تعالى أنه وليهما ، ومَنْ كان الله وليه فلا يفوض أمره إلا إليه .
أمرهم بالتوكل عليه ، وقدم المجرور للاعتناء بمن يتوكل عليه ، أو للاختصاص على مذهب من يرى ذلك .
ونبّه على الوصف الذي يقتضي ذلك وهو الإيمان ، لأنَّ مَنْ آمن بالله خير أن لا يكون اتكاله إلا عليه ، ولذلك قال : { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } وأتى به عاماً لتندرج الطائفتان الهامّتان وغيرهم في هذا الأمر ، وأن متعلقة من قام به الإيمان .
وفي هذا الأمر تحريض على التغبيط بما فعلته الطائفتان من اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسير معه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.