المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

96- إن المؤمنين العاملين الصالحات يُحبهم الله ، ويُحببهم إلي الناس .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

وفي وسط هذه الوحدة والوحشة والرهبة ، إذا المؤمنون في ظلال ندية من الود السامي : ود الرحمن :

( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ) . .

وللتعبير بالود في هذا الجو نداوة رخية تمس القلوب ، وروح رضى يلمس النفوس . وهو ود يشبع في الملأ الأعلى ، ثم يفيض على الأرض والناس فيمتلى ء به الكون كله ويفيض . .

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي [ ص ] قال : " إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه . قال : فيحبه جبريل . ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه . قال : فيحبه أهل السماء . ثم يوضع له القبول في الأرض . وإن الله إذا أبغض عبدا دعا جبريل فقال : يا جبريل إني أبغض فلانا فأبغضه . قال : فيبغضه جبريل . ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانا فأبغضوه . قال : فيبغضه أهل السماء ؛ ثم يوضع له البغضاء في الأرض " . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ، وهي الأعمال التي ترضي الله ، عز وجل ، لمتابعتها الشريعة المحمدية - يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة ، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد{[19164]} عنه . وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه .

قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبو عَوَانة ، حدثنا سُهَيْل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال : يا جبريل ، إني أحب فلانًا فأحبه . قال : فيحبه جبريل " . قال : " ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلانًا " . قال : " فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبدًا دعا جبريل فقال : يا جبريل ، إني أبغضُ فلانًا فأبغضه " . قال : " فيبغضه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه " . قال : " فيُبْغضُه أهل السماء ، ثم يوضع له البغضاء في الأرض " .

ورواه مسلم من حديث سُهَيْل{[19165]} . ورواه أحمد والبخاري ، من حديث ابن جُرَيْج ، عن موسى بن عتبة{[19166]} عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم بنحوه{[19167]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر{[19168]} ، حدثنا ميمون أبو محمد المرئي ، حدثنا محمد بن عباد المخزومي ، عن ثوبان ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{[19169]} إن العبد ليلتمس مرضات{[19170]} الله ، فلا يزال كذلك{[19171]} فيقول الله ، عز وجل ، لجبريل : إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني ؛ ألا وإن رحمتي عليه ، فيقول جبريل : " رحمة الله على فلان " ، ويقولها{[19172]} حملة العرش ، ويقولها من حولهم ، حتى يقولها أهل السماوات السبع ، ثم يهبط إلى الأرض " {[19173]}

غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شَرِيك ، عن محمد بن سعد الواسطي ، عن أبي ظَبْيَة ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن المقة من الله - قال شريك : هي المحبة - والصيت من السماء ، فإذا أحب الله عبدًا قال لجبريل ، عليه السلام : إني أحب فلانًا ، فينادي جبريل : إن ربكم يمق{[19174]} - يعني : يحب - فلانا ، فأحبوه - وأرى شريكًا قد قال : فتنزل له المحبة في الأرض - وإذا أبغض عبدًا قال لجبريل : إني أبغض فلانًا فأبغضه " ، قال : " فينادي جبريل : إن ربكم يبغض فلانا فأبغضوه " . قال : أرى شريكًا قد قال : فيجري له البغض في الأرض " {[19175]} . غريب ولم يخرجوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو داود الحَفَريّ ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد ، وهو الدَّرَاوَرْدي - عن سهيل بن{[19176]} أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل : إني قد أحببت فلانًا ، فأحبه ، فينادي في السماء ، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض ، فذلك قول الله ، عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }

رواه مسلم والترمذي كلاهما عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به{[19177]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } قال : حبًّا .

وقال مجاهد ، عنه : { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } قال : محبة في الناس في الدنيا .

وقال سعيد بن جبير ، عنه : يحبهم ويُحببهم ، يعني : إلى خلقه المؤمنين . كما قال مجاهد أيضًا ، والضحاك وغيرهم .

وقال العوفي ، عن ابن عباس أيضًا : الود من المسلمين في الدنيا ، والرزق الحسن ، واللسان الصادق .

وقال قتادة : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } إي والله ، في قلوب أهل الإيمان ، ذكر{[19178]} لنا أن هَرِم بن حَيَّان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم .

وقال قتادة : وكان عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، يقول : ما من عبد يعمل خيرًا ، أو شرًّا ، إلا كساه الله ، عز وجل ، رداء عمله .

وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أحمد بن سِنَان ، حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِي ، عن الربيع بن صَبِيح ، عن الحسن البصري ، رحمه الله قال : قال رجل : والله لأعبدن الله عبادة أذكر بها ، فكان لا يرى في حين صلاة إلا قائما يصلي ، وكان أول داخل إلى المسجد وآخر خارج ، فكان لا يعظم ، فمكث بذلك سبعة أشهر ، وكان لا يمر على قوم إلا قالوا : " انظروا إلى هذا المرائي " فأقبل على نفسه فقال : لا أراني أذكر إلا بِشَرّ ، لأجعلن عملي كله لله ، عز وجل ، فلم يزد على أن{[19179]} قلب نيته ، ولم يزد على العمل الذي كان يعمله ، فكان يمر بعد بالقوم ، فيقولون : رحم الله فلانا الآن ، وتلا الحسن : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }

وقد روى ابن جرير أثرًا أن هذه الآية نزلت في هجرة عبد الرحمن بن عوف . وهو خطأ ، فإن هذه السورة بتمامها{[19180]} مكية لم ينزل منها شيء بعد الهجرة ، ولم يصح سند ذلك ، والله أعلم .


[19164]:في أ: "فلا محيد".
[19165]:المسند (2/413) وصحيح مسلم برقم (2637).
[19166]:في ف، أ: "ابن عيينة".
[19167]:المسند (2/4/5) وصحيح البخاري برقم (6040).
[19168]:في ف، أ: "ابن بكير".
[19169]:في ف، أ: "أنه قال".
[19170]:في أ: "فرحات".
[19171]:في أ: "بذلك".
[19172]:في ت: "ويقول".
[19173]:المسند (5/279).
[19174]:في أ: "يمقه".
[19175]:المسند (5/263).
[19176]:في ف: "عن".
[19177]:صحيح مسلم برقم (2637) وسنن الترمذي برقم (3161).
[19178]:في أ: "وذكر".
[19179]:في أ: "أنه".
[19180]:في أ: "بكمالها"
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

يقتضي اتصال الآيات بعضها ببعض في المعاني أنّ هذه الآية وصف لحال المؤمنين يوم القيامة بضد حال المشركين ، فيكون حال إتيانهم غير حال انفرادٍ بل حال تأنس بعضهم ببعض .

ولمّا ختمت الآية قبلها بأن المشركين آتون يوم القيامة مفردين ، وكان ذلك مشعراً بأنهم آتون إلى ما من شأنه أن يتمنى المورّط فيه مَن يدفع عنه وينصره ، وإشعار ذلك بأنّهم مغضوب عليهم ، أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين الصالحين ، وأنهم على العكس من حال المشركين ، وأنهم يكونون يومئذ بمقام المودّة والتبجيل . فالمعنى : سيجعل لهم الرحمان أودّاء من الملائكة كما قال تعالى : { نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ فصلت : 31 ] ، ويجعل بين أنفسهم مودّة كما قال تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غِلّ } [ الأعراف : 43 ] .

وإيثارُ المصدر ليفي بعدّة متعلقات بالودّ . وفُسّر أيضاً جعل الودّ بأن الله يجعل لهم محبّة في قلوب أهل الخير . رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد عن الدراوردي . وليست هذه الزيادة عن أحد ممن روى الحديث عن غير قتيبة بن سعيد ولا عن قتيبة بن سعيد في غير رواية الترمذي ، فهذه الزيادة إدراج من قتيبة عند الترمذي خاصة .

وفُسر أيضاً بأن الله سيجعل لهم محبة منه تعالى ، فالجعل هنا كالإلقاء في قوله تعالى : { وألقيت عليك محبة مني } [ طه : 39 ] . هذا أظهر الوجوه في تفسير الودّ ، وقد ذهب فيه جماعات المفسرين إلى أقوال شتى متفاوتة في القبول .