نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا} (96)

ولما عم بهذا الحكم الطائع والعاصي ، وكان ذلك محزناً لأهل الطاعة باستشعار الذل في الدارين ، تحركت النفس إلى معرفة ما أفادتهم الطاعة ، واستأنف الجواب لذلك مبشراً لهم بقوله : { إن الذين آمنوا وعملوا{[48789]} } تصديقاً لادعائهم الإيمان ، الأعمال { الصالحات سيجعل } تحقيقاً عما قليل عند{[48790]} بيعة العقبة { لهم الرحمن } الذي خصهم بالرضا بعد أن عمهم بالنعمة ، جزاء على انقيادهم له ، لأنه كان إما باختيارهم وإما برضاهم { وداً * } أي حباً عظيماً في قلوب العباد ، دالاً على ما لهم عندهم من الود ؛ {[48791]}قال الأصبهاني : من غير تودد منهم ولا تعرض للأسباب التي تكسب بها الناس مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع غيره أو غير ذلك ، وإنما هو اختراع ابتدأ اختصاصاً منه لأوليائه بكرامة خاصة كما {[48792]}قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظاماً لهم وإجلالاً لمكانهم - انتهى{[48793]} . والمراد - والله أعلم - أنه لا يجعل سبحانه في قلب أحد من عباده الصالحين{[48794]} عليهم إحنة ، لأن الود - كما قال الإمام أبو الحسن الحرالي : خلو عن إرادة المكروه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الروم{[48795]} ما يزيد ذلك وضوحاً ؛ روى الشيخان{[48796]} وغيرهما{[48797]} عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله إذا أحب عبداً دعا جبرئيل فقال : يا جبرئيل ! إني أحب فلاناً فأحبه ، فيحبه جبرئيل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإن الله إذا أبغض عبداً دعا جبرئيل فقال : يا جبرئيل{[48798]} ! إني أبغض فلاناً فأبغضه ، فيبغضه جبرئيل ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه ، فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغضاء في الأرض " .


[48789]:زيد في الأصل: الصالحات، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[48790]:في الأصل بياض عبأناه من ظ.
[48791]:سقط ما بين الرقمين من ظ
[48792]:سقط ما بين الرقمين من ظ
[48793]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[48794]:سقط من ظ.
[48795]:آية 21.
[48796]:البخاري في عدة المناسبات ومسلم في كتاب البر والصلة – باب إذا أحجب الله عبدا أمر جبرئيل فأحبه وأحله أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.
[48797]:مثل الترمذي والإمام أحمد.
[48798]:زيد من ظ.