قوله تعالى : { إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات } إلى آخر السورة{[22824]} .
لمَّا ردَّ على الكفرة ، وشرح أقوالهم في الدنيا والآخرة ختم السورة بذكر أحوال المؤمنين . قوله : { وُدَّا } العامة على ضم الواو{[22825]} . وقرأ أبو الحارث الحنفي{[22826]} بفتحها{[22827]} ، وجناح بن حبيش{[22828]} بكسرها{[22829]} . فيحتمل{[22830]} أن يكون المفتوح مصدراً ، والمكسور والمضموم{[22831]} اسمين .
قال المفسرون : سَيَجْعَلُ{[22832]} لهُم الرَّحمنُ محبةً ، قال مجاهد : يحبهم الله ويحببهم إلى عباده المؤمنين{[22833]} . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا أحبَّ اللهُ العبد قال لجبريل - عليه السلام{[22834]}- : " قَدْ{[22835]} أحببت فلاناً فأحبَّه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهلُ السَّماء : إن الله – تعالى- قد أحبّ فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثُمَّ يوضعُ لهُ القبُولُ في الأرضِ{[22836]} ، وإذا أبغضَ العبد " قال مالك : لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك{[22837]} . والسِّين في " سَيَجِعَلُ " إما لأن السورة مكية ، وكان المؤمنون{[22838]} حينئذ ممقوتين بين{[22839]} الكفرة ، فوعدهم الله ذلك إذا جاء الإسلام .
والمعنى : سَيُحْدِثُ لهم في القلوب مودة . وإمَّا أن يكون ذلك يوم القيامة يحببهم إلى خلقه بما يظهر من حسناتهم{[22840]} . روي{[22841]} عن كعب{[22842]} قال : مكتوب في التوراة لا محبَّة في الأرض حتى يكون ابتداؤها من الله - تعالى- ينزلها على أهل السماء ، ثم على أهل الأرض . وتصديق ذلك{[22843]} في القرآن قوله : { سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً } . وقال أبو مسلم : معناه يهبُ لهم ما يحبون . والوُدُّ والمحبَّةُ سواء ، يقال : آتيتُ فلاناً محبته ، وجعلت له ودَّه{[22844]} ، ومن كلامهم : يَوَدُّ لو كان كذا ، " وودتُ أن لو كان كذا أي أحببتُ{[22845]} " ، فالمعنى{[22846]} : سيعطيهم الرحمن ودَّهم ، أي : محبوبهم في الجنة .
والقول الأول أولى ، لتفسير الرسول - عليه السلام{[22847]}- ، ولأن حمل المحبة على المحبوب مجاز ، " ولأن رسول الله قرأ هذه الآية وفسَّرها بذلك فكانت أولى " {[22848]} .
قال أبو مسلم : القول الثاني أولى لوجوه :
أحدها : كيف يصح القول الأول مع علمنا بأن المسلم التقي{[22849]} يبغضه الكفار ، وقد يبغضه كثير من المسلمين .
وثانيها : أنَّ مثل هذه المحبة قد تحصل للكفار والفساق أكثر ، فكيف يمكن جعله إنعاماً في حق المؤمنين ؟
وثالثها : أن محبتهم في قلوبهم من فعلهم لا أنَّ{[22850]} الله - تعالى- فعله ، فكان حمل الآية على إعطاء المنافع الأخروية أولى .
وأجيب عن الأول : بأن المراد يجعل له محبة عند الملائكة والأنبياء .
وعن الثاني : ما روي عنه- عليه السلام{[22851]}- : أنه حكى عن ربه- سبحانه وتعالى{[22852]}- أنه قال : " وإذا ذكرني عَبْدي{[22853]} في نفسه ذكرتُهُ ( في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرنِي ){[22854]} في ملأ ذكرتهُ في ملأ أطيب منهم وأفضل{[22855]} " والكافر{[22856]} والفاسق ليسا{[22857]} كذلك .
وعن الثالث : أنه محمول على فعل الألطاف ، وخلق داعية إكرامه{[22858]} في قلوبهم{[22859]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.