{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ }
قال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كُهَيْل ، عن مالك بن الحصين الفزاري ، عن أبيه{[25693]} ، عن علي ، رضي الله عنه ، في قوله : { الَّذَيْنِ أَضَلانَا } قال : إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه .
وهكذا روى حبة العُرَنِي عن علي ، مثل ذلك .
وقال السدي ، عن علي : فإبليس يدعو به كل صاحب شرك ، وابن آدم يدعو به كل صاحب كبيرة ، فإبليس - لعنه الله - هو الداعي إلى كل شر من شرك فما دونه ، وابن آدم الأول . كما ثبت في الحديث : " ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ؛ لأنه أول من سن القتل " {[25694]} .
وقوله {[25695]} { نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا } أي : أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذابا منا ؛ ولهذا قالوا : { لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ } أي : في الدرك الأسفل من النار ، كما تقدم في " الأعراف " من سؤال الأتباع من الله أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم ، قال : { لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38 ] أي : إنه تعالى قد أعطى كلا منهم ما يستحقه من العذاب والنكال ، بحسب عمله وإفساده ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } [ النحل : 88 ] .
{ وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس } يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان . وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل ، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسوسي { أرنا } بالتخفيف كفخذ في فخذ ، وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء . { نجعلهما تحت أقدامنا } ندوسهما انتقاما منهما ، وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل . { ليكونا من الأسفلين } مكانا أو ذلا .
ثم ذكر عز وجل مقالة كفار يوم القيامة إذا دخلوا النار فإنهم يرون عظيم ما حل بهم وسوء منقلبهم فتجول أفكارهم فيمن كان سبب غوايتهم وبادي ضلالتهم فيعظم غيظهم وحنقهم عليه ويودون أن يحصل في أشد عذاب فحينئذ يقولون { ربنا أرنا اللذين أضلانا } ، وظاهر اللفظ يقتضي أن الذي في قولهم : { اللذين } إنما هو للجنس ، أي { أرنا } كل مغوٍ ومضل { من الجن والإنس } ، وهذا قول جماعة من المفسرين . وقال علي بن أبي طالب وقتادة . وطلبوا ولد آدم الذي سن القتل والمعصية من البشر وإبليس الأبالسة من الجن .
قال القاضي أبو محمد : وتأمل هل يصح هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لأن ولد آدم مؤمن عاص ، وهؤلاء إنما طلبوا المضلين بالكفر المؤدي إلى الخلود ، وإنما القوي أنهم طلبوا النوعين ، وقد أصلح بعضهم هذا القول بأن قال : يطلب ولد آدم كل عاص دخل النار من أهل الكبائر ، ويطلب إبليس كل كافر ، ولفظ الآية يزحم هذا التأويل ، لأنه يقتضي أن الكفرة إنما طلبوا اللذين أضلا .
وقرأ نافع وحمزة والكسائي : «أرِنا » بكسر الراء ، وهي رؤية عين ، ولذلك فهو فعل يتعدى إلى مفعولين . وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر عن عاصم : «أرْنا » بسكون الراء ، فقال هشام بن عمار : هو خطأ . وقال أبو علي : هي مخففة من : { أرنا } كما قالوا : ضحك وفخذ . وقرأ أبو عمرو : بإشمام الراء الكسر ، ورويت عن أهل مكة .
وقوله : { نجعلهما تحت أقدامنا } يريدون في أسفل طبقة من النار ، وهي أشد عذاباً . وهي درك المنافقين{[10070]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.