السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ} (29)

ولما بين تعالى أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعذاب الشديد مجالسة قرناء السوء بين ما يقولون في النار بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا } أي : غطوا أنوار عقولهم داعين بما لا يسمع لهم فهو زيادة في عقوبتهم وحكايته لها وعظ وتحذير { ربنا } أي : يا أيها الذي لم يقطع قط إحسانه عنا { أرنا } الصنفين { اللذين أضلانا } أي : عن المنهج الموصل إلى محل الرضوان { من الجن والإنس } لأن الشيطان على ضربين جني وإنسي ، قال تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن } ( الأنعام : 112 ) وقال تعالى : { الذي يوسوس في صدور الناس ( 5 ) من الجنة والناس } ( الناس : 5 6 ) وقيل : هما إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه ، لأن الكفر سنه إبليس ، والقتل بغير حق سنه قابيل ، فهما سنا المعصية ، وقرأ ابن كثير والسوسي ، وابن عامر وشعبة بسكون الراء من أرنا ، واختلس الدوري كسر الراء ، وكسرها الباقون ، وشدد ابن كثير النون من اللذين { نجعلهما تحت أقدامنا } في النار إذلالاً لهما كما جعلانا تحت أمرهما { ليكونا من الأسفلين } قال مقاتل : أسفل منافي النار ، وقال الزجاج : ليكونا في الدرك الأسفل من النار أي : من أهل الدرك الأسفل وممن هو دوننا كما جعلانا كذلك في الدنيا في حقيقة الحال باتباعنا لهما ، وقال بعض الحكماء : المراد باللذين أضلانا : الشهوة والغضب ، والمراد بجعلهما تحت أقدامهم : كونهما مسخرين للنفس مطيعين لها وأن لا يكونا مستوليين عليها ظاهرين عليها .