المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

24- هو الله المبدع للأشياء من غير مثال سابق . الموجد لها بريئة من التفاوت ، المصور لها على هيئاتها كما أراد . له الأسماء الحسنى ، ينزهه عما لا يليق كل ما في السماوات والأرض ، وهو الغالب الذي لا يعجزه شيء ، الحكيم في تدبيره وتشريعه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

ثم يبدأ المقطع الأخير في التسبيحة المديدة .

( هو الله ) . . فهي الألوهية الواحدة . وليس غيره بإله .

( الخالق ) . . ( البارئ ) . . والخلق : التصميم والتقدير . والبرء : التنفيذ والإخراج ، فهما صفتان متصلتان والفارق بينهما لطيف دقيق . .

( المصور ) . وهي كذلك صفة مرتبطة بالصفتين قبلها . ومعناها إعطاء الملامح المتميزة والسمات التي تمنح لكل شيء شخصيته الخاصة .

وتوالي هذه الصفات المترابطة اللطيفة الفروق ، يستجيش القلب لمتابعة عملية الخلق والإنشاء والإيجاد والإخراج مرحلة مرحلة - حسب التصور الإنساني - فأما في عالم الحقيقة فليست هناك مراحل ولا خطوات . وما نعرفه عن مدلول هذه الصفات ليس هو حقيقتها المطلقة فهذه لا يعرفها إلا الله . إنما نحن ندرك شيئا من آثارها هو الذي نعرفها به في حدود طاقاتنا الصغيرة !

( له الأسماء الحسنى ) . . الحسنى في ذاتها . بلا حاجة إلى استحسان من الخلق ولا توقف على استحسانهم .

والحسنى التي توحي بالحسن للقلوب وتفيضه عليها . وهي الأسماء التي يتدبرها المؤمن ليصوغ نفسه وفق إيحائها واتجاهها ، إذ يعلم أن الله يحب له أن يتصف بها . وأن يتدرج في مراقيه وهو يتطلع إليها .

وخاتمة هذه التسبيحة المديدة بهذه الأسماء الحسنى ، والسبحة البعيدة مع مدلولاتها الموحية وفي فيوضها العجيبة ، هي مشهد التسبيح لله يشيع في جنبات الوجود ، وينبعث من كل موجود :

يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم . .

وهو مشهد يتوقعه القلب بعد ذكر تلك الأسماء ؛ ويشارك فيه مع الأشياء والأحياء . . كما يتلاقى فيه المطلع والختام . في تناسق والتئام .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

وقوله : { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } الخلق : التقدير ، والبَراء : هو الفري ، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود ، وليس كل من قدر شيئًا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله ، عز وجل . قال الشاعر يمدح آخر{[28629]} :

ولأنت تَفري ما خَلَقت *** وبعضُ القوم يَخلُق ثم لا يَفْري

أي : أنت تنفذ ما خلقت ، أي : قدرت ، بخلاف غيرك فإنه لا يستطيع ما يريد . فالخلق : التقدير . والفري : التنفيذ . ومنه يقال : قدر الجلاد ثم فَرَى ، أي : قطع على ما قدره بحسب ما يريده .

وقوله تعالى : { الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } أي : الذي إذا أراد شيئًا قال له : كن ، فيكون على الصفة التي يريد ، والصورة التي يختار . كقوله : { فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } [ الإنفطار : 8 ] ولهذا قال : { الْمُصَوِّرُ } أي : الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها .

وقوله : { لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى } قد تقدم الكلام على ذلك في " سورة الأعراف " ، وذكر الحديث المروي في الصحيحين عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا ، مائة إلا واحدًا ، من أحصاها دخل الجنة ، وهو وتر يحب الوتر " . وتقدم سياق الترمذي وابن ماجة له ، عن أبي هريرة أيضا ، وزاد بعد قوله : " وهو وتر يحب الوتر " - واللفظ للترمذي - : " هو الله الذي لا إله إلا هو ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الغفار ، القهار ، الوهاب ، الرزاق ، الفتاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدئ ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ، الماجد ، الواحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدم ، المؤخر ، الأول ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الولي ، المتعالي ، البر ، التواب ، المنتقم ، العفو ، الرءوف ، مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور " .

وسياق ابن ماجة بزيادة ونقصان ، وتقديم وتأخير ، وقد قدمنا ذلك مبسوطًا مطولا بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته هنا{[28630]} {[28631]} .

وقوله : { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } كقوله { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [ الإسراء : 44 ] .

وقوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ } أي : فلا يرام جَنَابه { الحَكِيمُ } في شرعه وقدره . وقد قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا خالد - يعني : ابن طَهْمَان ، أبو العلاء الخَفَّاف - حدثنا نافع ابن أبي نافع ، عن مَعقِل بن يسار ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قال حين يصبح ثلاث مرات : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وَكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا ، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة " .

ورواه الترمذي عن محمود بن غَيْلان ، عن أبي أحمد الزبيري ، به{[28632]} ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .


[28629]:- (5) هو زهير بن أبي سلمي يمدح به هرم بن سنان، والبيت في ديوانه (ص 94) أ. هـ مستفادًا من حاشية ط الشعب.
[28630]:- (1) في م: "هاهنا".
[28631]:- (2) تقدم تخريج هذا الحديث عند تفسير الآية: 180 من سورة الأعراف.
[28632]:- (3) المسند (5/26) وسنن الترمذي برقم (2922).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوّرُ لَهُ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : هو المعبود الخالق ، الذي لا معبود تصلح له العبادة غيره ، ولا خالق سواه ، البارىء الذي برأ الخلق ، فأوجدهم بقدرته ، المصوّر خلقه كيف شاء ، وكيف يشاء .

وقوله : لَهُ الأسْماءُ الْحُسْنَى يقول تعالى ذكره : لله الأسماء الحسنى ، وهي هذه الأسماء التي سمى الله بها نفسه ، التي ذكرها في هاتين الاَيتين يُسَبّحُ لَهُ ما في السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول : يسبح له جميع ما في السموات والأرض ، ويسجد له طوعا وكرها وَهُوَ العَزِيزُ يقول : وهو الشديد الانتقام من أعدائه الْحَكِيمُ في تدبيره خلقه ، وصرفهم فيما فيه صلاحهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

{ هو الله الخالق } المقدر للأشياء على مقتضى حكمته ، { البارىء }الموجد لها بريئا من التفاوت ، { المصور } الموجد لصورها وكيفياتها كما أراد ومن أراد الإطناب في شرح هذه الأسماء وأخواتها فعليه بكتابي المسمى بمنتهى المنى ، { له الأسماء الحسنى }لأنها دالة على محاسن المعاني ، { يسبح له ما في السموات والأرض }لتنزهه عن النقائص كلها ، { وهو العزيز الحكيم } الجامع للكمالات بأسرها فإنها راجعة إلى الكمال في القدرة والعلم .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الحشر غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

و : { البارئ } بمعنى { الخالق } ، برأ الله الخلق أي أوجدهم ، و : { المصور } هو الذي يوجد الصور ، وقرأ علي بن أبي طالب : «المصوَّرَ » بنصب الواو والراء على إعمال { البارئ } به ، وهي حسنة يراد بها الجنس في الصور ، وقال قوم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قرأ : «المصوَّرِ » بفتح الواو وكسر الراء على قولهم الحسن الوجه ، وقوله تعالى : { له الأسماء الحسنى } أي ذات الحسن في معانيها القائمة بذاته لا إله إلا هو ، وهذه الأسماء هي التي حصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً ، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة »{[11034]} ، وقد ذكرها الترمذي وغيره مسندة ، واختلف في بعضها ولم يصح فيها شيء إلا إحصاؤها دون تعين ، وباقي الآية بين .


[11034]:حديث (إن لله تسعة وتسعين اسما) ذكره الإمام السيوطي في "الجامع الصغير"، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: إنه حديث صحيح، وقد أخرجه الترمذي، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في شعب الإيمان- هذا والأسماء مذكورة في مسند الترمذي وغيره مع اختلاف الرواة في بعضها كما قال ابن عطية رحمه الله.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

{ هُوَ الله الخالق البارىء المصور } .

القول في ضمير { هو } المفتتح به وفي تكرير الجملة كالقول في التي سبقتها . فإن كان ضمير الغيبة ضميرَ شأن فالجملة بعده خبر عنه .

وجملة { الله الخالق } تفيد قصراً بطريق تعريف جزأي الجملة هو الخالق لا شركاؤهم . وهذا إبطال لإلهية ما لا يخلق . قال تعالى : { والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون } [ النحل : 20 ] ، وقال : { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } [ النحل : 17 ] ، وإن كان عائداً على اسم الجلالة المتقدم فاسم الجلالة بعده خبر عنه و { الخالق } صفة .

و { الخالق } : اسم فاعل من الخلق ، وأصل الخلق في اللغة إيجاد شيء على صورة مخصوصه . وقد تقدم عند قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السّلام { إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } الآية [ 49 ] في سورة آل عمران . ويطلق الخلق على معنى أخص من إيجاد الصور وهو إيجاد ما لم يكن موجوداً . كقوله تعالى : { ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام } [ ق : 38 ] . وهذا هو المعنى الغالب من إطلاق اسم الله تعالى { الخالق } .

قال في « الكشاف » : « المقدر لما يوجده » . ونقل عنه في بيان مراده بذلك أنه قال : « لما كانت إحداثات الله مقدرة بمقادير الحكمة عبر عن إحداثه بالخلق » اهـ . يشير إلى أن الخالق في صفة الله بمعنى المحدث الأشياء عن عدم ، وبهذا يكون الخلق أعم من التصوير . ويكون ذكر { البارىء } و { المصور } بعد { الخالق } تنبيهاً على أحوال خاصة في الخلق . قال تعالى : { ولقد خلقناكم ثم صورناكم } [ الأعراف : 11 ] على أحد التأويلين .

وقال الراغب : الخلق التقدير المستقيم واستعمل في إيداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء اهـ .

وقال أبو بكر ابن العربي في « عارضة الأحوذي » على « سنن الترمذي » : { الخالق } : المخرج الأشياء من العدم إلى الوجود المقدر لها على صفاتها ( فخلط بين المعنيين ) ثم قال : فالخالق عام ، والبارىء أخص منه ، والمصور أخص من الأخص وهذا قريب من كلام صاحب « الكشاف » . وقال الغزالي في « المقصد الأسنى » : الخالق البارىء المصور قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة ولا ينبغي أن يكون كذلك بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى تقدير أولاً ، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانياً ، وإلى التصوير بعد الإِيجاد ثالثاً ، والله خالق من حيث أنه مقدِّر وبارىء من حيث إنه مخترع موجود ، ومصور من حيث إنه مرتبٌ صور المخترعات أحسن ترتيب ا ه . فجعل المعاني متلازمة وجعل الفرق بينها بالاعتبار ، ولا أحسبه ينطبق على مواقع استعمال هذه الأسماء .

و { البارىء } اسم فاعل من بَرَأَ مهموزاً . قال في « الكشاف » المميز لما يوجده بعضه من بعض بالأشكال المختلفة اهـ . وهو مغاير لمعنى الخالق بالخصوص . وفي الحديث " من شر ما خلق وذرأ وبرأ " ومن كلام علي رضي الله عنه : لا والذي فلق الحبة وبرأ النَّسَمة ، فيكون اسم البريئة غير خاص بالناس في قوله تعالى : { أولئك هم شر البريئة أولئك هم خير البريئة } [ البينة : 6 ، 7 ] . وقال الراغب : البريئة : الخلق .

وقال ابن العربي في « العارضة » : { البارىء } : خالق الناس من البرَى ( مقصوراً ) وهو التراب خاصاً بخلق جنس الإِنسان ، وعليه يكون اسم البريئة خاصاً بالبشر في قوله تعالى : { أولئك هم شر البريئة أولئك هم خير البريئة .

وفسره ابن عطية بمعنى الخالق . وكذلك صاحب « القاموس » . وفسره الغزالي بأنه الموجود المخترع ، وقد علمت أنه غير منطبق فأحسن تفسير له ما في « الكشاف » .

و { المصور } : مكوّن الصور لجميع المخلوقات ذوات الصور المرئية .

وإنما ذكرت هذه الصفات متتابعة لأن من مجموعها يحصل تصور الإِبداع الإلهي للإِنسان فابتدىء بالخلق الذي هو الإِيجاد الأصلي ثم بالبرء الذي هو تكوين جسم الإِنسان ثم بالتصّور الذي هو إعطاء الصورة الحسنة ، كما أشار إليه قوله تعالى : { الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة } [ الانفطار : 7 ، 8 ] ، { الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } [ آل عمران : 6 ] .

ووجه ذكرها عقب الصفات المتقدمة ، أي هذه الصفات الثلاث أريد منها الإِشارة إلى تصرفه في البشر بالإِيجاد على كيفيته البديعة ليثير داعية شكرهم على ذلك . ولذلك عقب بجملة { يسبح له ما في السموات والأرض } .

واعلم أن وجه إرجاع هذه الصفات الحُسنى إلى ما يناسبها مما اشتملت عليه السورة ينقسم إلى ثلاثة أقسام ولكنها ذكرت في الآية بحسب تناسب مواقع بعضها عقب بعض من تنظير أو احتراس أو تتميم كما علمته آنفاً .

القسم الأول : يتعلق بما يناسب أحوال المشركين وأحلافِهم اليهود المتألبين على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بالحرب والكيد والأذى ، وأنصارهم من المنافقين المخادعين للمسلمين .

وإلى هذا القسم تنضوي صفة { لا إله إلا هو } [ الحشر : 23 ] وهذه الصفة هي الأصل في التهيؤ للتدبر والنظر في بقية الصفات ، فإن الإِشراك أصل الضلالات ، والمشركون هم الذين يُغرون اليهود ، والمنافقون بين يهود ومشركين تستروا بإظهار الإِسلام ، فالشرك هو الذي صدّ الناس عن الوصول إلى مسالك الهدى ، قال تعالى : { وما زادوهم غيرَ تتبيب } [ هود : 101 ] .

وصفة { عالم الغيب } [ الحشر : 22 ] فإن من أصول الشرك إنكار الغيب الذي من آثاره إنكار البعث والجزاء ، وعلى الاسترسال في الغي وإعمال السيئات وإنكار الوحي والرسالة . وهذا ناظر إلى قوله تعالى : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } [ الأنفال : 13 ] الآية .

وكذلك ذكر صفات « المَلِك ، والعزيز ، والجبار ، والمتكبر » ، لأنها تناسب ما أنزله ببني النضير من الرعب والخزي والبطشة .

القسم الثاني : متعلق بما اجْتناه المؤمنون من ثمرة النصر في قصة بني النضير ، وتلك صفات : { السلام المؤمن } [ الحشر : 23 ] لقوله : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } [ الحشر : 6 ] ، أي لم يتجشم المسلمون للغنى مشقة ولا أذى ولا قتالاً .

وكذلك صفتا { الرحمان الرحيم } [ الحشر : 22 ] لمناسبتهما لإِعطاء حظ في الفيء للضعفاء .

القسم الثالث : متعلق بما يشترك فيه الفريقان المذكوران في هذه السورة فيأخذ كل فريق حظه منها ، وهي صفات : « القدوس ، المهيمن ، الخالق ، البارىء ، المصور » .

{ لَهُ الأسمآء الحسنى } .

تذييل لما عُدّد من صفات الله تعالى ، أي له جميع الأسماء الحسنى التي بعضها الصفات المذكورة آنفاً .

والمراد بالأسماء الصفات ، عبر عنها بالأسماء لأنه متصف بها على ألسنة خلقه ولكونها بالغة منتهى حقائقها بالنسبة لوصفه تعالى بها فصارت كالأعلام على ذاته تعالى .

والمقصود : أن له مدلولات الأسماء الحسنى كما في قوله تعالى : { ثم عرضهم على الملائكة } بعد قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } [ البقرة : 31 ] ، أي عرض المسميات على الملائكة .

وقد تقدم قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } في سورة [ الأعراف : 180 ] .

{ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } .

جملة { يسبح له } الخ في موضع الحال من ضمير { له الأسماء الحسنى } يعني أن اتصافه بالصفات الحسنى يضطر ما في السماوات والأرض من العقلاء على تعظيمه بالتسبيح والتنزيه عن النقائص فكل صنف يبعثه علمه ببعض أسماء الله على أن ينزهه ويسبحه بقصد أو بغير قصد . فالدُهري أو الطبائعي إذا نوّه بنظام الكائنات وأعجب بانتساقها فإنما يسبح في الواقع للفاعل المختار وإن كان هو يدعوه دَهراً أو طبيعة ، هذا إذا حمل التسبيح على معناه الحقيقي وهو التنزيه بالقول ، فأما إن حمل على ما يشمل المعنيين الحقيقي والمجازي من دلالة على التنزيه ولو بلسان الحال . فالمعنى : أن ما ثبت له من صفات الخلق والإِمداد والقهر تدل عليه شواهد المخلوقات وانتظام وجودها .

وجملة { وهو العزيز الحكيم } عطف على جملة الحال وأوثر هاتان الصفتان لشدة مناسبتهما لنظام الخلق .

وفي هذه الآية رد العجز على الصدر لأن صدر السورة مماثل لآخرها .

روى الترمذي بسند حسن عن معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قال حين يُصبح ثلاثَ مرّات : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، ثم قرأ الثلاث آيات من آخر سورة الحشر { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب } [ الحشر : 22 ] إلى آخر السورة ، وكَّل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يُمسِيَ ، وإن مات ذلك اليومَ مات شهيداً . ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة " فهذه فضيلة لهذه الآيات أخروية .

وروى الخطيب البغدادي في « تاريخه » بسنِده إلى إدريس بن عبد الكريم الحداد قال : قرأت على خلف ( راوي حمزة ) فلما بلغت هذه الآية { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } [ الحشر : 21 ] إلى آخر السورة قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على الأعْمش . فلما بلغتُ هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على يَحيى بن وثاب ، فلما بلغت هذه الآية قال : ضع يدك على رأسك فإني قرأت على علقمة والأسود فلما بلغت هذه الآية قالا : ضع يدك على رأسك فإنّا قرأنا على عبد الله فلما بلغنا هذه الآية قال : ضعا أَيديكما على رؤوسكما ، فإني قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغتُ هذه الآية قال لي : ضع يدك على رأسك فإن جبريل لما نزل بها إليَّ قال : ضعَ يدك على رأسك فإنها شفاء من كل داء إلا السام .

والسام الموت . قلت : هذا حديث أغر مسلسل إلى جبريل عليه السلام .

وأخرج الديلمي عن علي وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن } [ الحشر : 21 ] إلى آخر السورة : هي رُقية الصداع ، فهذه مزية لهذه الآيات .