اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

قوله : { هُوَ الله الخالق البارئُ } .

«الخَالقُ » هنا المقدر ، و«البَارِئُ » المنشئ المخترع ، وقدم ذكر الخالق على البارئ ؛ لأن الإرادة مقدمة على تأثير القدرة{[56120]} .

قوله : «المُصَوِّرُ » .

العامة : على كسر الواو ورفع الراء ، إما صفة وإما خبر .

وقرأ أمير المؤمنين{[56121]} علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والحسن بن السميفع ، وحاطب بن أبي بلتعة : بفتح الواو ونصب الراء . وتخريجها على أن يكون منصوباً ب «البَارِئُ » .

و«المصوَّر » هو الإنسان إما آدم ، وإما هو وبنوه .

وعلى هذه القراءة يحرم الوقفُ على المصور ، بل يجب الوصل ليظهر النَّصب في الراء ، وإلا فقد يتوهم منه في الوقف ما لا يجوز{[56122]} .

وروي عن أمير المؤمنين أيضاً : فتح الواو وجرّ الراء ، وهي كالأولى في المعنى إلا أنه أضاف اسم الفاعل لمعموله مخففاً نحو : «الضارب الرجل » .

والوقف على «المصوّر » في هذه القراءة أيضاً حرام ، وقد نبَّه عليه بعضهم .

وقال مكي{[56123]} : «ويجوز نصبه في الكلام ، ولا بد من فتح الواو فتنصبه ب «البارئ » ، أي : هو الله الخالق المصور ، يعني : آدم - عليه الصلاة والسلام - وبنيه » . انتهى . وكأنه لم يطلع على هذه القراءة .

وقال أيضاً : «ولا يجوز نصبه مع كسر الواو ، ويروى عن علي رضي الله عنه » .

يعني أنه إذا كسرت الواو ، وكان من صفات الله تعالى ، وحينئذ لا يستقيم نصبه عنده ؛ لأن نصبه باسم الفاعل قبله .

وقوله : «ويروى » أي : كسر الواو ونصب الراء ، وإذا صح هذا عن أمير المؤمنين ، فيتخرج على أنه من القطع ، كأنه قال : أمدح المصور ، كقولهم : «الحَمْدُ للَّه أهل الحمد » بنصب أهل ؛ وقراءة من قرأ : { اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ } بنصب «رب »{[56124]} .

قال مكي{[56125]} : و«المصور » «مُفَعِّل » من «صَوّر يُصَوّر » ، ولا يحسن أن يكون من «صار يصير » ، لأنه يلزم منه أن يقال : المصير ، بالياء » .

وقيل : هذا من الواضحات ولا يقبله المعنى أيضاً .

وقدم «البارئ » على «المصور » لأن إيجاد الذوات مقدّم على إيجاد الصفات{[56126]} ، فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما ، ومعنى التصوير{[56127]} : التخطيط والتشكيل ، وخلق الله الإنسان في بطن أمه ثلاثَ خلق ، جعله علقة ثم مضغة ثم جعله صورة ، وهو التشكيل الذي يكون به ذا صورة يعرف بها ويتميز عن غيره ، فتبارك الله أحسنُ الخالقين .

قوله : { لَهُ الأسماء الحسنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم } تقدم نظيره .

روى أبو هريرة - رضي الله عنه - : قال : سألت خليلي أبا القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اسم الله الأعظم ، فقال : «عليْكَ بأواخر سُورةِ الحَشْرِ ، فأكثر قراءتهَا » فأعَدْتُ عليْهِ فأعَادَ عليَّ{[56128]} . وقال جابر بن زيدٍ : إنَّ اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية{[56129]} .

ختام السورة:

وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَنَ قَرَأ سُورَة الحَشْرِ غُفِرَ الله لَهُ ما تقدَّمَ من ذَنبه ومَا تأخَّر »{[1]} .

وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنَ قَرَأ خَواتِيمَ سُورة الحَشْرِ في لَيلٍ أو نهارٍ ، فقبضهُ اللَّهُ في تلْكَ اللَّيلةِ أو ذلِكَ اليَوْمِ فَقَدْ أوْجَبَ اللَّهُ لَهُ الجنَّة »{[2]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[56120]:ينظر: التفسير الكبير 29/256.
[56121]:ينظر: المحور الوجيز 5/292، والبحر المحيط 8/249، والدر المصون 6/300، والقرطبي 18/32.
[56122]:ينظر: الدر المصون 6/300.
[56123]:ينظر: المشكل 2/727.
[56124]:ينظر: الدر المصون 6/300.
[56125]:ينظر: المشكل 2/727.
[56126]:ينظر: الفخر الرازي 29/256.
[56127]:ينظر: القرطبي 18/32.
[56128]:ذكره الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف" (4/510)، وقال: أخرجه الثعلبي من رواية علي بن رزيق عن هشام بن سعد عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. وفي الواحدي من حديث ابن عباس رفعه بلفظ: اسم الله الأعظم في ست آيات من آخر سورة الحشر.
[56129]:ذكره القرطبي في تفسيره" (18/33).