الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

قوله : { الْمُصَوِّرُ } : العامَّةُ على كسرِ الواوِ ورفعِ الراءِ : إمَّا صفةً ، وإمَّا خبراً . وقرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسن وابن السَّمَيْفَع وحاطب بن أبي بَلْتعة بفتح الواو ونصب الراء . وتخريجُها : على أن يكونَ منصوباً بالباري والمُصَوَّر هو الإِنسانُ : إمَّا آدمُ ، وإمَّا هو وبنوه . وعلى هذه القراءةِ يَحْرُم الوقفُ على " المصوَّر " بل يجب الوصلُ ليظهرَ النصبُ في الراء ، وإلاَّ فقد يُتَوَهَّمُ منه في الوقفِ ما لا يجوزُ . ورُوي عن أمير المؤمنين أيضاً فَتْحُ الواوِ وجَرُّ الراءِ . وهي كالأُولى في المعنى ، إلاَّ أنه أضاف اسمَ الفاعل لمعمولِه تخفيفاً نحو : الضاربُ الرجلِ . والوقف على المصوَّر في هذه القراءةِ أيضاً حرامٌ . وقد نَبَّه عليه بعضُهم . وقال مكي : " ويجوز نصبُه في الكلام ، ولا بُدَّ مِنْ فتح الواوِ ، فتنصبُه بالباري ، أي : هو اللهُ الخالقُ المصوَّر ، يعني آدمَ عليه السلام وبنيه " انتهى . قلت : قد قُرِىء بذلك كما تقدَّم ، وكأنه لم يَطَّلِعْ عليه . وقال أيضاً : " ولا يجوز نصبُه مع كسرِ الواوِ ، ويُرْوى عن علي رضي الله عنه " يعني أنه إذا كُسِرَت الواوُ كان من صفاتِ اللهِ تعالى ، وحينئذٍ لا يَسْتقيم نصبُه عنده ؛ لأنَّ نَصْبَه باسمِ الفاعلِ قبلَه . وقوله : " ويُروى " ، أي : كسرُ الواوِ ونصبُ الراء . وإذا صَحَّ هذا عن أمير المؤمنين فيتخرَّج على أنه من القطع . كأنه قيل : أَمْدَحُ المصوِّر كقولِهم : " الحمدُ لله أهلَ الحمد " بنصب أهلَ ، وقراءةِ مَنْ قرأ { للَّهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [ الفاتحة : 1 ] بنصب " ربَّ " قال مكي : " والمصوِّر : مُفَعِّل مِنْ صَوَّر يُصَوِّرُ ، ولا يحسُنُ أَنْ يكونَ مِنْ صار يَصير ؛ لأنه يلزمُ منه أَنْ يقال : المُصَيِّر بالياء " ومثلُ هذا من الواضحات ولا يقبله المعنى أيضاً .