محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (24)

{ هو الله الخالق } أي المقدر للأشياء على مقتضى حكمته ، { البارىء } أي الموجد لها بعد عدم ، { المصور } أي الكائنات كما شاء ، { له الأسماء الحسنى } أي الدالة على محاسن المعاني وأحاسن الممادح ، { يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم } أي في تدبيره خلقه وصرفهم فيما فيه صلاحهم وسعادتهم .

تنبيهات : الأول قال السيد ابن المرتضي في ( إيثار الحق ) مقام معرفة كمال الرب الكريم وما يجب له من نعوته وأسمائه الحسنى ، من تمام التوحيد الذي لا بد منه لأن كمال الذات بأسمائها الحسنى ونعوتها الشريفة ، ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم ولذلك عد مذهب الملاحدة في مدح الرب بنفيها من أعظم مكايدهم للإسلام فإنهم عكسوا المعلوم عقلا وسمعا فذموا الأمر المحمود ، ومدحوا الأمر المذموم القائم مقام النفي والجحد المحض وضادوا كتاب الله ونصوصه الساطعة ، قال الله عز وجل جلاله{[7052]} { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } ، وقال سبحانه وتعالى {[7053]} { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } فما كان منها منصوصا في كتاب الله وجب الإيمان به على الجميع والإنكار على من جحده أو زعم أن ظاهره اسم ذم الله سبحانه ، وما كان في الحديث وجب الإيمان به على من عرف صحته وما نزل عن هذه المرتبة أو كان مختلفا في صحته لم يصح استعماله فإن الله أجل من أن يسمى باسم لم يتحقق أنه مسمى به .

ثم قال وعادة بعض المحدثين أن يوردوا جميع ما ورد في الحديث المشهور في تعدادها مع الاختلاف الشهير في صحته وحسبك أن البخاري ومسلما تركا تخريجه مع رواية أوله ، واتفاقهما على ذلك يشعر بقوة العلة فيه ، ولكن الأكثرين اعتمدوا ذلك تعرضا لفضل الله العظيم في وعده من أحصاها بالجنة ، كما اتفق على صحته وليس يستقين إحصاؤها بذلك إلا لو لم يكن لله سبحانه اسم غير تلك الأسماء فأما إذا كانت أسماؤه سبحانه أكثر من أن تحصى بطل اليقين بذلك ، وكان الأحسن الاقتصار على ما في كتاب الله ، وما اتفق على صحته بعد ذلك ، وهو النادر وقد ثبت أن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك المروي بالضرورة والنص .

ثم أطال رحمه الله في ذلك وأطاب فليرجع إليه النهم بالتحقيقات .

الثاني : قال الغزالي في ( المقصد الأسنى ) وهو من أنفس ما ألف في معاني الأسماء الحسنى هل الصفات والأسامي المطلقة على الله تعالى تقف على التوقيف أو تجوز بطريق العقل ؟ والذي مال إليه القاضي أبو بكر الباقلاني أن ذلك جائز إلا ما منع منه الشرع أو أشعر بما يستحيل معناه على الله تعالى فأما ما لا مانع فيه فإنه جائز ، والذي ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمة الله عليه أن ذلك ، موقوف على التوقيف فلا يجوز أن يطلق في حق الله تعالى ما هو موصوف بمعناه إلا إذا أذن فيه .

والمختار عندنا أن نفصل ونقول : كل ما يرجع إلى الاسم فذلك موقوف على الإذن وما يرجع إلى الوصف ، فذلك لا يقف على الإذن بل الصادق منه مباح دون الكاذب ثم جود رحمه الله البيان بما لا غاية بعده .

الثالث : قال السيد ابن المرتضى في ( إيثار الحق ) قد تكلم على معانيها جماعة من أهل العلم والتفسير ، واكثرها واضح ، والعصمة فيها عدم التشبيه واعتقاد أن المراد بها أكمل معانيها الكمال الذي لا يحيط بحقيقته إلا الله تعالى .

ثم قال ولا بد من الإشارة إلى أمر جملي وهو أصل عظيم وذلك تفسير الحسنى جملة : فاعلم أنها جمع ( الأحسن ) لا جمع الحسن ، وتحت هذا سر نفيس ، وذلك أن ( الحسن ) من صفات الألفاظ ، ومن صفات المعاني فكل لفظ له معنيان حسن وأحسن فالمراد الأحسن منهما حتى يصح جمعه على ( حسنى ) ولا يفسر بالحسن منهما إلا الأحسن بهذا الوجه ثم بين مثال ذلك فانظره .


[7052]:7/ الأعراف / 180.
[7053]:17/ الإسراء / 110.