المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

106- وهناك ناس آخرون وقعوا في الذنوب ، منها التخلف عن الجهاد ، وليس فيهم نفاق ، وهؤلاء مُرْجوْن لأمر اللَّه : إما أن يُعذبهم ، وإما أن يتوب عليهم ويغفر لهم ، واللَّه عليم بأحوالهم وما تنطوي عليه قلوبهم ، حكيم فيما يفعله بعباده من ثواب أو عقاب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

97

والفريق الأخير هو الذي لم يبت في أمره ، وقد وكل أمره إلى ربه :

( وآخرون مُرجَون لأمر اللّه ، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ، واللّه عليم حكيم ) . .

وهؤلاء هم القسم الأخير من المتخلفين عن غزوة تبوك - غير المنافقين والمعتذرين والمخطئين التائبين - وهذا القسم لم يكن حتى نزول هذه الآية قد بت في أمره بشيء .

وكان أمرهم موكولا إلى اللّه ، لم يعلموه ولم يعلمه الناس بعد . . وقد روي أن هذه الآية نزلت في الثلاثة الذين خلفوا - أي أجل إعلان توبتهم والقضاء في أمرهم - وهم مرارة بن الربيع ، وكعب بن مالك ، وهلال ابن أمية ، الذين قعدوا عن غزوة تبوك كسلاً وميلاً إلى الدعة واسترواحاً للظلال في حر الهاجرة ! ثم كان لهم شأن مع رسول اللّه - [ ص ] - سيأتي تفصيله في موضعه من السورة في الدرس التالي .

روى ابن جرير بإسناده - عن ابن عباس - قال : لما نزلت هذه الآية . . يعني قوله : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) . . أخذ رسول اللّه [ ص ] من أموالهم . . يعني أموال أبي لبابة وصاحبيه . . فتصدق بها عنهم ، وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ، ولم يوثقوا ولم يذكروا بشيء ، ولم ينزل عذرهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وهم الذين قال اللّه : ( وآخرون مرجون لأمر اللّه إما يعذبهم وإما يتوب عليهم واللّه عليم حكيم ) . . فجعل الناس يقولون . هلكوا ! إذ لم ينزل لهم عذر . وجعل آخرون يقولون : عسى اللّه أن يغفر لهم ! فصاروا مرجئين لأمر اللّه ، حتى نزلت : ( لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) . . الذين خرجوا معه إلى الشام . . ( من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ) . . ثم قال : ( وعلى الثلاثة الذين خلفوا )- يعني المرجئين لأمر اللّه - نزلت عليهم التوبة فعموا بها ، فقال : ( حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم ) . . إلى قوله : ( إن اللّه هو التواب الرحيم ) . . [ وكذلك روى - بإسناده - عن عكرمة وعن مجاهد ، وعن الضحاك وعن قتادة . وعن ابن إسحاق ] . فهذه الرواية أرجح واللّه أعلم .

ولما كان أمرهم مرجأ ، فإننا نحب أن نرجئ الحديث فيه حتى يجيء في موضعه . إن شاء اللّه تعالى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وآخرون مرجون لأمر الله}، يعني التوبة عن أمر الله، يعني موقوفون للتوبة عن أمر الله: مرارة بن الربيع من بني زيد، وهلال بن أمية من بني واقب، وكعب بن مالك الشاعر من بني سلمة، كلهم من الأنصار، لم يفعلوا كفعل أبي لبابة، لم يذكروا بالتوبة ولا بالعقوبة، فذلك قوله: {إما يعذبهم وإما يتوب عليهم} فيتجاوز عنهم، {والله عليم حكيم}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء المتخلفين عنكم حين شخصتم لعدوّكم أيها المؤمنون آخرون. ورفع قوله آخرون عطفا على قوله:"وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحا وآخَرَ سَيّئا". "وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ "يعني مرجؤون لأمر الله وقضائه... وقيل: عُنِي بهؤلاء الآخرين نفر ممن كان تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فندموا على ما فعلوا ولم يتعذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقدمه، ولم يوثقوا أنفسهم بالسواري، فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحت توبتهم، فتاب عليهم وعفا عنهم...

عن ابن عباس، قال: وكان ثلاثة منهم يعني من المتخلفين عن غزوة تبوك لم يوثقوا أنفسهم بالسواري أرجئوا سبتة لا يدرون أيعذّبون أو يتاب عليهم. فأنزل الله: "لَقَدْ تَابَ اللّهُ على النّبِيّ وَالمْهاجِرِينَ "إلى قوله: "إنّ اللّهَ هُوَ التّوّابُ الرّحِيمُ"...

عن مجاهد: "وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ" قال: هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج...

عن ابن إسحاق: "وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ إمّا يُعَذّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ" وهم الثلاثة الذين خلفوا، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتتهم توبتهم من الله.

وأما قوله: "إمّا يُعَذّبُهُمْ" فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه إياهم فيعذّبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة، "وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ" يقول: وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم. "واللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" يقول: والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب، "حكيم" في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خلل.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"وآخرون مرجون لأمر الله" والإرجاء: تأخير الأمر إلى وقت..

وقوله "إما يعذبهم وإما يتوب عليهم" فلفظة (إما) لوقوع أحد الشيئين والله أعلم بما يصير إليه أمرهم إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون. والمعنى وليكن أمرهم عندكم على هذا أي على الخوف والرجاء... فإن عفا فبفضله وإن عاقب فبعدله.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

هذه الآية عطف على قوله تعالى: {وآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً}، وهؤلاء هم القسم الأخير من المتخلفين عن غزوة تبوك. فقد علم مما تقدم أن المتخلفين منهم المنافقون وهم أكثرهم- وقد تقدم بيان أقسامهم ومن اعتذر ومن لم يعتذر منهم- ومنهم المؤمنون، وهم قسمان: أحدهما: الذين اعترفوا بذنوبهم وتابوا وزكوا توبتهم بالصدقة وطلب دعاء الرسول واستغفاره فتاب الله عليهم. وثانيهما: الذين حاروا في أمرهم ولم يعتذروا للرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا عذر لهم، وأرجأوا توبتهم، فأرجأ الله الحكم القطعي في أمرهم للحكمة التي يأتي بيانها قريبا. قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وغيرهم: هم الثلاثة الذين خلفوا، أي عن التوبة، وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد كسلا وميلا إلى الدعة والحظ وطيب الثمار والظلال لا شكا ونفاقا، فكانت طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورين، فنزلت توبة أولئك قبل توبة هؤلاء، وأرجئ هؤلاء عن التوبة حتى نزلت آيتا التوبة الآتيتين (117 و 118).

{وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ} أي وثم أناس آخرون من المتخلفين مؤخرون لحكم الله في أمرهم، أو لأمره لرسوله بما يعاملهم به...

وروي أن هذا الإرجاء كان 50 يوما.

{إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} أي أبهم الأمر عليهم وعلى الناس، لا يدرون ما ينزل فيهم، هل تنصح توبتهم فيتوب الله عليهم كما تاب على الذين اعترفوا بذنوبهم، أم يحكم بعذابهم في الدنيا والآخرة كما حكم على الخالفين من المنافقين؟ فالترديد بين الأمرين هو بالنسبة إلى الناس لا إلى الله عز وجل، وحكمة إبهام أمر هؤلاء عليهم إثارة الهم والخوف في قلوبهم لتصح توبتهم، وحكمة إبهامه على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين تركهم مكالمتهم ومخالطتهم، تربية للفريقين على ما يجب في أمثالهم من الذين يؤثرون الراحة ونعمة العيش على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله لإعلاء كلمة الحق والعدل، ودفع عدوان الكفار عن المؤمنين، حتى ما كان من أمرهم ما بينه في الآية 118.

{واللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} عليم بحال عباده، ويربيهم ويزكيهم ويصلح حال أفرادهم ومجموعهم، حكيم فيما يشرعه لهم من الأحكام المفيدة لهذا الصلاح ما عملوا بها. ومن آثار علمه وحكمته إرجاء النص على توبتهم في كتابه، ومن هذه الحكمة تكرار تأثير تلاوة المؤمنين للآيات في ذلك في الأوقات المتفرقة، فإنها من أعظم آيات القرآن ترهيبا وتخويفا، وعظة وتهذيبا.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

ورغما عن كون هاتين الآيتين وردتا في الأصل على هذا السبب الخاص وفي أناس معينين، فإن معناهما يعم كافة المذنبين من غير المنافقين...