كان كما يصفه ذلك الوصف الخاطف الرعيب :
( إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر . تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ) . . والريح الصرصر : الباردة العنيفة . وجرس اللفظ يصور نوع الريح . والنحس : الشؤم . وأي نحس يصيب قوما أشد مما أصاب عاد . والريح تنزعهم وتجذبهم وتحطمهم . فتدعهم كأنهم أعجاز نخل مهشمة مقلوعة من قعورها ? !
والمشهد مفزع مخيف ، وعاصف عنيف . والريح التي أرسلت على عاد " هي من جند الله " وهي قوة من قوى هذا الكون ، من خلق الله ، تسير وفق الناموس الكوني الذي اختاره ؛ وهو يسلطها على من يشاء ، بينما هي ماضية في طريقها مع ذلك الناموس ، بلا تعارض بين خط سيرها الكوني ، وأدائها لما تؤمر به وفق مشيئة الله . صاحب الأمر وصاحب الناموس :
تنزع الناس : تقلعهم من أماكنهم ، وتصرعهم على رؤوسهم ، فتدقّ رقابهم .
منقعر : مقتلع من أصوله ، يقال : قعرت النخلة ، أي : قلعتها من أصلها ، فانقعرت .
1- { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } .
تقتلع الناس من الأرض اقتلاع النخلة من أصلها ، وترمي بهم على رؤوسهم فتدقّ أعناقهم ، وتفصل رؤوسهم عن أعناقهم .
لقد كانوا طوال الأجسام ، أشداء أقوياء ، فاستكبروا في الأرض بغير الحق ، { وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } . ( فصلت : 15 ) .
وقد استحقوا عقوبة السماء ، فأرسل الله عليهم ريحا عاتية اقتلعتهم من الأرض ، وكسَّرت رؤوسهم وأعناقهم ، وتركتهم أجسادا بلا رؤوس ، كالنخلة الساقطة على الأرض ، جذعا خاليا من الرأس أو الثمر .
وفي ذلك المعنى يقول القرآن الكريم : { وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ } . ( الحاقة : 6-8 ) .
ومعنى : منقعر . أي : كأنهم أصول نخل قد انقلعت من مغارسها وسقطت على الأرض ، وقد شبّهوا بالنخل لطولهم وضخامة أجسامهم .
وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار ، ثم تنكسه على أم رأسه ، فيسقط إلى الأرض ، فتثلغ رأسه فيبقى جثة بلا رأس .
{ تنزع الناس } تقلعهم من أماكنهم . روي أنهم دخلوا الشعاب والحفر ، وتمسك بعضهم ببعض ؛ فقلعتهم الريح وصرعتهم موتى . { كأنهم أعجاز نخل منقعر } الأعجاز : جمع عجز ، وهو مؤخر الشيء . وأعجاز النخل : أصولها . والمراد بها : النخل بتمامه ما عدا الفروع . و " منقعر " صفة ل " نخل " أي منقلع من أصله ؛ يقال : قعر النخلة-كمنع- قلعها من أصلها ؛ فانقعرت . وقعر البئر : وصل إلى قعرها . أي كأنهم حين تقلعهم الريح من الحفر وترميهم صرعى ، أعجاز نخل منقلع من مغارسه ، ساقط على الأرض . وشبهوا بها لأن الريح كانت تقلع رءوسهم فتبقيهم أجسادا بلا رءوس . وكانوا ذوى أجساد عظام طوال .
{ تنزع الناس كأنهم أعجاز } : أي تقتلعهم من الحفر التي اندسوا فيها وتصرعهم فتدق رقابهم .
{ نخل منقعر } : منفصلة أجسامهم كأنهم والحال كذلك أعجاز أي أصول نخل منقلع .
تنزع تلك الريح الناس وقد دخلوا حفراً تحصنوا بها فتنزعهم منها نزعاً وتخرجهم فتصرعهم فتدق رقابهم فتنفصل عن أجسادهم فيصيرون والحال هذه لطول أجسامهم كأنهم أعجاز نخل منقعر أي إنه كان كأشد ما يكون لعذاب والإِنذار .
- بيان عقوبة المكذبين لرسول الله وما نزل بهم من العذاب في الدنيا قبل الآخرة .
- بيان أن قوة الإنسان مهما كانت أمام قوة الله تعالى هي لا شيء ولا ترد عذاب الله بحال .
{ تَنْزِعُ النَّاسَ } من شدتها ، فترفعهم إلى جو السماء ، ثم تدفعهم بالأرض فتهلكهم ، فيصبحون { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ } أي : كأن جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوي الذي أصابته{[933]} الريح فسقط على الأرض ، فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره
قوله تعالى : { تنزع الناس } تقلعهم ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم . وروي أنها كانت تنزع الناس من قبورهم ، { كأنهم أعجاز نخل } قال ابن عباس : أصولها ، وقال الضحاك : أوراك نخل . { منقعر } منقلع من مكانه ، ساقط على الأرض . وواحد الأعجاز عجز ، مثل عضد وأعضاد وإنما قال : ( أعجاز نخل ) وهي أصولها التي قطعت فرعها ، لأن الريح كانت تبين رؤوسهم من أجسادهم بلا رؤوس .
{ تنزع الناس } أي : تقلعهم من مواضعهم .
{ كأنهم أعجاز نخل منقعر } أعجاز النخل هي أصولها والمنقعر المنقطع فشبه الله عادا لما هلكوا بذلك لأنهم طوال عظام الأجساد كالنخل وقيل : كانت الريح تقطع رؤوسهم فتبقي أجسادا بلا رؤوس فشبههم بأعجاز النخل لأنها دون أغصان وقيل : كانوا حفروا حفرا يمتنعون بها من الريح فهلكوا فيها فشبههم بأعجاز النخل إذا كانت في حفرها .
قوله : { تنزع الناس } الجملة الفعلية في موضع نصب صفة للريح . أي تقلعهم من مواضعهم أو تقلعهم من الأرض ، إذ ترفعهم ثم تنكسهم على رؤوسهم فتندق رؤوسهم وأعناقهم فيبقون جثثا بلا رؤوس { كأنهم أعجاز نخل منقعر } الكاف ، في موضع نصب على الحال . أي تنزع الريح الناس وتنكسهم وتدق أعناقهم ، فكانوا يتساقطون على الأرض أمواتا وهم جثث طوال عظام { كأنهم أعجاز نخل منقعر } أعجاز النخل ، أصولها أي يشهدون أصول النخل المنقعر . أي المنقلع عن مغارسه . أو المنقلع من أصوله .