السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٖ مُّنقَعِرٖ} (20)

وأمّا وصفها بفعلها فيهم فذكره بقوله تعالى : { تنزع } أي : تأخذ { الناس } أي : الذين هم صور لا ثبات لهم بأرواح التقوى من الأرض : بعضهم من وجهها ، وبعضهم من حُفَرٍ حفروها ليمتنعوا بها من العذاب فتطيرهم بين السماء والأرض كأنهم الهباء المنثور فتقلع رؤوسهم من جثثهم .

وقوله تعالى : { كأنهم } أي : حين ينزعون فيلقون لا أرواح فيهم أعجاز نخل أي : أصول نخل قطعت رؤوسها حال من الناس مقدرة . وقوله : منقعر صفة لنخل باعتبار الجنس وأنث في الحاقة فقال : { نخل خاوية } [ الحاقة : 7 ] باعتبار معنى الجماعة . قال ابن عادل : وإنما ذكَّر هنا وأنث هناك مراعاة للفواصل في الموضعين . وقال الرازي : ذكر الله تعالى لفظ النخل في مواضع ثلاثة ووصفها على الأوجه الثلاثة فقال تعالى : { والنخل باسقات } [ ق : 10 ] وذلك حال عنها وهي كالوصف ، وقال تعالى : { نخل خاوية } [ الحاقة : 7 ] و{ نخل منقعر } فحيث قال : منقعر كان المختار ذلك لأنّ المنقعر في حقيقة الأمر كالمفعول لأنه ورد عليه القعر فهو مقعور ، والخاوي والباسق فاعل ، وإخلاء المفعول من علامة التأنيث أولى : تقول : امرأة قتيل ، وأمّا الباسقات فهي فاعلات حقيقة لأنّ البسوق أمر قائم بها ، وأمّا الخاوية فهي من باب حسن الوجه لأنّ الخاوي موضعها فكأنه قال نخل خاوية المواضع ، وهذا غاية الإعجاز حيث أتى بلفظ مناسب للألفاظ السابقة واللاحقة من حيث اللفظ .

تنبيه : الأعجاز جمع عجْز وهو مؤخر الشيء ، ومنه العجْز لأنه يؤدي إلى تأخير الأمور ، والمنقعر المنقلع من أصله : يقال : قعرت النخلة : قلعتها من أصلها فانقعرت ، وقعرت البئر وصلت إلى قعرها ، وقعرت الإناء شربت ما فيه حتى وصلت إلى قعره .