المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ} (85)

85- ما أنشأنا السماوات والأرض وما بينهما - من فضاء ، وما فيهما من أناس وحيوان ونبات وجماد ، وغيرها مما لا يعلمه البشر - إلا بالعدل والحكمة والصلاح والذي لا يتفق معه استمرار الفساد وعدم نهايته ، ولذا كان اليوم الذي يكون فيه انتهاء الشر آتيا لا محالة ، واصفح - أيها النبي - الكريم عن المشركين بالنسبة للعقاب الدنيوي ، وعاملهم بالصبر علي أذاهم ، والدعوة بالحكمة معاملة الصفوح الحليم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ} (85)

85

( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ، وإن الساعة لآتية . فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم ) . .

إن هذا التعقيب بتقرير الحق الذي تقوم به السماوات والأرض ، والذي به كان خلقهما وما بينهما ، لتعقيب عظيم الدلالة ، عميق المعنى ، عجيب التعبير . فماذا يشير إليه هذا القول : ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق )? إنه يوحي بأن الحق عميق في تصميم هذا الوجود : عميق في تكوينه . عميق في تدبيره . عميق في مصير هذا الوجود وما فيه ومن فيه .

عميق في تصميم هذا الوجود . فهو لم يخلق عبثا ، ولم يكن جزافا ، ولم يتلبس بتصميمه الأصيل خداع ولا زيف ولا باطل . والباطل طاريء عليه ليس عنصرا من عناصر تصميمه .

عميق في تكوينه . فقوامه من العناصر التي يتألف منها حق لا وهم ولا خداع . والنواميس التي تحكم هذه العناصر وتؤلف بينها حق لا يتزعزع ولا يضطرب ولا يتبدل . ولا يتلبس به هوى أو خلل أو اختلاف .

عميق في تدبيره . فبالحق يدبر ويصرف ، وفق تلك النواميس الصحيحة العادلة التي لا تتبع هوى ولا نزوة ، إنما تتبع الحق والعدل .

عميق في مصيره . فكل نتيجة تتم وفق تلك النواميس الثابتة العادلة ؛ وكل تغيير يقع في السماوات والأرض وما بينهما يتم بالحق وللحق . وكل جزاء يترتب يتبع الحق الذي لا يحابي .

ومن هنا يتصل الحق الذي خلق الله به السماوات والأرض وما بينهما ، بالساعة الآتية لا ريب فيها . فهي آتية لا تتخلف . وهي جزء من الحق الذي قام به الوجود . فهي في ذاتها حقيقة ، وقد جاءت لتحق الحق .

( فاصفح الصفح الجميل ) . .

ولا تشغل قلبك بالحنق والحقد ، فالحق لا بد أن يحق :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ} (85)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَإِنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنّ رَبّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : وما خلقنا الخلائق كلها ، سماءها وأرضَها ، ما فيهما وما بَيْنَهُما يعني بقوله : وَما بَيْنَهُما مما في أطباق ذلك . إلاّ بالحَقّ يقول : إلا بالعدل والإنصاف ، لا بالظلم والجَور . وإنما يعني تعالى ذكره بذلك أنه لم يظلم أحدا من الأمم التي اقتصّ قَصَصَها في هذه السورة وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به ، فيعذّبه ويهلكه بغير استحقاق لأنه لم يخلق السموات والأرض وما بينهما بالظلم والجور ، ولكنه خالق ذلك بالحقّ والعدل .

وقوله : وإنّ السّاعَةَ لاَتِيَةٌ فاصْفَحِ الصّفْحِ الجَمِيلَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإن الساعة ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية ، فارض بها لمشركي قومك الذين كذّبوك وردّوا عليك ما جئتهم به من الحقّ . فاصْفَحِ الصّفْحِ الجَمِيلَ يقول : فأعرض عنهم إعراضا جميلاً ، واعف عنهم عفوا حسنا .