البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ} (85)

الخفض مقابل الرفع ، وهو كناية عن الإلانة والرفق .

عضين : جمع عضة ، وأصلها الواو والهاء يقال : عضيت الشيء تعضيه فرقته ، وكل فرقة عضة ، فأصله عضوة .

وقيل : العضة في قريش السحر ، يقولون للساحر : عاضه ، وللساحرة : عاضهة .

قال الشاعر :

أعوذ بربي من النافثات . . . ***في عقد العاضه المعضه

وفي الحديث : « لعن الله العاضهة والمستعضهة » وفسر بالساحر والمستسحرة ، فأصله الهاء .

وقيل : من العضه يقال : عضهه عضها ، وعضيهة رماه بالبهتان .

قال الكسائي : العضه الكذب والبهتان ، وجمعها عضون .

وذهب الفراء إلى أنّ عضين من العضاة ، وهي شجرة تؤذي تخرج كالشوك .

ومن العرب من يلزم الياء ويجعل الإعراب في النون فيقول : عضينك كما قالوا : سنينك ، وهي كثيرة في تميم وأسد .

الصدع : الشق ، وتصدع القوم تفرقوا ، وصدعته فانصدع أي شققته فانشق .

وقال مؤرج : أصدع أفصل ، وقال ابن الأعرابي : أفصد .

{ وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل .

إن ربك هو الخلاق العليم .

ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم .

لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين .

وقل إني أنا النذير المبين .

كما أنزلنا على المقتسمين .

الذين جعلوا القرآن عضين .

فوربك لنسألنهم أجمعين .

عما كانوا يعملون .

فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين .

إنا كفيناك المستهزئين .

الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون .

ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون .

فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } : إلا بالحق أي : خلقاً ملتبساً بالحق .

لم يخلق شيء من ذلك عبثاً ولا هملاً ، بل ليطيع من أطاع بالتفكر في ذلك الخلق العظيم ، وليتذكر النشأة الآخرة بهذه النشأة الأولى .

ولذلك نبه من يتنبه بقوله : وأن الساعة لآتية ، فيجازي من أطاع ومن عصي .

ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصفح ، وذلك يقتضي المهادنة ، وهي منسوخة بآية السيف قاله قتادة .

أو إظهار الحكم عنهم والإغضاء لهم .