اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَآ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ} (85)

قوله تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق } الآية . لما ذكر أهلاك الكفَّار ، فكأنه قيل : كيف يليق الإهلاك بالرحيم ؟ .

فأجاب : بأني ما خلقت الخلق إلا ليشتغلوا بعبادي ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فإذا تركوها ، وأعرضوا عنها ؛ وجب في الحكمة إهلاكهم ، وتظهير وجه الأرض منهم .

وهذا النَّظم حسنٌ ، إلا أنَّه إنما يستقيمُ على قوله المعتزلة ، وفي النظم وجه آخر : وهو أنه –تعالى- إنَّما هذه القصَّة تسلية لنبيِّه صلى الله عليه وسلم و أن يصبره على سفاهة قومه ، فإنه إذا سمع [ أنَّ ]{[19623]} الأمم السَّالفة كانوا يعاملون بمثل هذه المعاملات ؛ سهُل تحمُّل تلك السَّفاهات على محمد –عليه الصلاة والسلام- ثم إنَّه –تعالى- لما بيَّن أنه أنزل العذاب على الأمم السَّالفة ، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : " إنَّ السَّاعةَ لآتيِةٌ " ، وإنَّ الله لينتقم لك من أعدائك ، ويجازيهم ، وإيَّاك ، فإنه ما خلق السماوات ، والأرض ، وما بينهما إلا بالحق ، والعدل والإنصاف ، فكيف يليق بحكمته إهمال أمرك ؟ .

ثم إنَّه –تعالى- لما صبَّره على أذى قومه ، رغَّبة بعد ذلك في الصَّفح عنهم ، فقال : { فاصفح الصفح الجميل } .

قوله : " إلاَّ بالحقِّ " نعت لمصدر محذوف ، أي : ملتبسة بالحقِّ .

قال المفسِّرون : هذه الآية منسوخة بآية القتال ، وهو بعيد ؛ لأنَّ المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن ، والعفو ، والصفح ، فكيف يصير منسوخاً ؟ .


[19623]:في ب: من.