ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) . أي رقيب حاضر ، لا كما يتبادر إلى الأذهان أن اسمي الملكين رقيب ، وعتيد !
ونحن لا ندري كيف يسجلان . ولا داعي للتخيلات التي لا تقوم على أساس . فموقفنا بإزاء هذه الغيبيات أن نتلقاها كما هي ، ونؤمن بمدلولها دون البحث في كيفيتها ، التي لا تفيدنا معرفتها في شيء . فضلا على أنها غير داخلة في حدود تجاربنا ولا معارفنا البشرية .
ولقد عرفنا نحن - في حدود علمنا البشري الظاهر - وسائل للتسجيل لم تكن تخطر لأجدادنا على بال . وهي تسجل الحركة والنبرة كالأشرطة الناطقة وأشرطة السينما وأشرطة التليفزيون . وهذا كله في محيطنا نحن البشر . فلا داعي من باب أولى أن نقيد الملائكة بطريقة تسجيل معينة مستمدة من تصوراتنا البشرية المحدودة ، البعيدة نهائيا عن ذلك العالم المجهول لنا ، والذي لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به الله . بلا زيادة !
وحسبنا أن نعيش في ظلال هذه الحقيقة المصورة ، وأن نستشعر ونحن نهم بأية حركة وبأية كلمة أن عن يميننا وعن شمالنا من يسجل علينا الكلمة والحركة ؛ لتكون في سجل حسابنا ، بين يدي الله الذي لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير .
حسبنا أن نعيش في ظل هذه الحقيقة الرهيبة . وهي حقيقة . ولو لم ندرك نحن كيفيتها . وهي كائنة في صورة ما من الصور ، ولا مفر من وجودها ، وقد أنبأنا الله بها لنحسب حسابها . لا لننفق الجهد عبثا في معرفة كيفيتها !
والذين انتفعوا بهذا القرآن ، وبتوجيهات رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] الخاصة بحقائق القرآن ، كان هذا سبيلهم : أن يشعروا ، وأن يعلموا وفق ما شعروا . .
قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي عن أبيه عن جده علقمة ، عن بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ، ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه . وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " . . قال : فكان علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث . [ ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو به وقال الترمذي : حسن صحيح ] .
وحكي عن الإمام أحمد أنه كان في سكرات الموت يئن . فسمع أن الأنين يكتب . فسكت حتى فاضت روحه رضوان الله عليه .
وهكذا كان أولئك الرجال يتلقون هذه الحقيقة فيعيشون بها في يقين .
وقوله : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يقول تعالى ذكره : ما يلفظ الإنسان من من قول فيتكلم به ، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عَتيد ، يعني حافظ يحفظه ، عتيد مُعَدّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن اليمين وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : عن اليمين الذي يكتب الحسنات ، وعن الشمال الذي يكتب السيئات .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيميّ ، في قوله : إذْ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمسك لعله يتوب .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد إذ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال ملك عن يمينه ، وآخر عن يساره ، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن شماله فيكتب الشرّ .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : مع كل إنسان مَلكان : ملك عن يمينه ، وملك عن يساره قال : فأما الذي عن يمينه ، فيكتب الخير ، وأما الذي عن يساره فيكتب الشرّ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ . . . إلى عَتِيدٌ قال : جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل ، وحافظين في النهار ، يحفظان عليه عمله ، ويكتبان أثره .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إذْ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ ، حتى بلغ عَتِيدٌ قال الحسن وقتادة ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه . وكان عكرِمة يقول : إنما ذلك في الخير والشرّ يكتبان عليه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : تلا الحسن عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : فقال : يا ابن آدم بُسِطت لك صحيفة ، ووكل بك ملَكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والاَخر عن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل بما شئت أقلل أو أكثر ، حتى إذا متّ طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : وكُلّ إنْسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ . . . حتى بلغ حَسِيبا عَدَل والله عليك من جعلك حسيب نفسك .
حدثنا ابن حُمَيْد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : كاتب الحسنات عن يمينه ، وكاتب السيئات عن شماله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا أذنب قال له : لا تعجل لعله يستغفر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ قال : جعل معه من يكتب كلّ ما لفظ به ، وهو معه رقيب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن هشام الحمصي ، أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال : اكتب ، فيقول : لا بل أنت اكتب ، فيمتنعان ، فينادي مناد : يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.