المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (4)

4- لقد خلقنا الإنسان في مشقة وتعب منذ نشأته إلى منتهى أمره .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (4)

يقسم هذا القسم على حقيقة ثابتة في حياة الكائن الإنساني :

( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) . .

في مكابدة ومشقة ، وجهد وكد ، وكفاح وكدح . . كما قال في السورة الأخرى : ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . .

الخلية الأولى لا تستقر في الرحم حتى تبدأ في الكبد والكدح والنصب لتوفر لنفسها الظروف الملائمة للحياة والغذاء - بإذن ربها - وما تزال كذلك حتى تنتهي إلى المخرج ، فتذوق من المخاض - إلى جانب ما تذوقه الوالدة - ما تذوق . وما يكاد الجنين يرى النور حتى يكون قد ضغط ودفع حتى كاد يختنق في مخرجه من الرحم !

ومنذ هذه اللحظة يبدأ الجهد الأشق والكبد الأمر . يبدأ الجنين ليتنفس هذا الهواء الذي لا عهد له به ، ويفتح فمه ورئتيه لأول مرة ليشهق ويزفر في صراخ يشي بمشقة البداية ! وتبدأ دورته الهضمية ودورته الدموية في العمل على غير عادة ! ويعاني في إخراج الفضلات حتى يروض أمعاءه على هذا العمل الجديد ! وكل خطوة بعد ذلك كبد ، وكل حركة بعد ذلك كبد . والذي يلاحظ الوليد عندما يهم بالحبو وعندما يهم بالمشي يدرك كم يبذل من الجهد العنيف للقيام بهذه الحركة الساذجة .

وعند بروز الأسنان كبد . وعند انتصاب القامة كبد . وعند الخطو الثابت كبد . وعند التعلم كبد . وعند التفكر كبد . وفي كل تجربة جديدة كبد كتجربة الحبو والمشي سواء !

ثم تفترق الطرق ، وتتنوع المشاق ؛ هذا يكدح بعضلاته . وهذا يكدح بفكره . وهذا يكدح بروحه . وهذا يكدح للقمة العيش وخرقة الكساء . وهذا يكدح ليجعل الألف ألفين وعشرة آلاف . . . وهذا يكدح لملك أو جاه ،

وهذا يكدح في سبيل الله . وهذا يكدح لشهوة ونزوة . وهذا يكدح لعقيدة ودعوة . وهذا يكدح إلى النار . وهذا يكدح إلى الجنة . . والكل يحمل حمله ويصعد الطريق كادحا إلى ربه فيلقاه ! وهناك يكون الكبد الأكبر للأشقياء . وتكون الراحة الكبرى للسعداء .

إنه الكبد طبيعة الحياة الدنيا . تختلف أشكاله وأسبابه . ولكنه هو الكبد في النهاية . فأخسر الخاسرين هو من يعاني كبد الحياة الدنيا لينتهي إلى الكبد الأشق الأمر في الأخرى . وأفلح الفالحين من يكدح في الطريق إلى ربه ليلقاه بمؤهلات تنهي عنه كبد الحياة ، وتنتهي به إلى الراحة الكبرى في ظلال الله .

على أن في الأرض ذاتها بعض الجزاء على ألوان الكدح والعناء . إن الذي يكدح للأمر الجليل ليس كالذي يكدح للأمر الحقير . ليس مثله طمأنينة بال وارتياحا للبذل ، واسترواحا بالتضحية ، فالذي يكدح وهو طليق من أثقال الطين ، أو للانطلاق من هذه الأثقال ، ليس كالذي يكدح ليغوص في الوحل ويلصق بالأرض كالحشرات والديدان ! والذي يموت في سبيل دعوة ليس كالذي يموت في سبيل نزوة . . ليس مثله في خاصة شعوره بالجهد والكبد الذي يلقاه .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (4)

وقوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ وهذا هو جواب القسم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : وقع ها هنا القسم لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : لقد خلقنا ابن آدم في شدّة وعناء ونصب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ يقول : في نَصَب .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا سعيد ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ، أنه قال في هذه الاَية : لَقَدْ خَلَقَنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ يقول : في شدّة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ حين خُلِق في مشقة لا يُلفى ابن آدم إلا مكابد أمر الدنيا والاَخرة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : فِي كَبَدٍ قال : يكابد أمر الدنيا والاَخرة .

وقال بعضهم : خُلِق خَلْقا لم نَخْلق خلقَه شيئا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن عليّ بن رفاعة ، قال : سمعت الحسن يقول : لم يخلق الله خلقا يكابد ما يُكابد ابن آدم .

قال : ثنا وكيع ، عن عليّ بن رفاعة ، قال : سمعت سعيد بن أبي الحسن يقول : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : يكابد مصائب الدنيا ، وشدائد الاَخرة .

قال : ثنا وكيع ، عن النضر ، عن عكرِمة قال : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : في شدّة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : في شدّة .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : في شدّة معيشته ، وحمله وحياته ، ونبات أسنانه .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : قال مجاهد الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : شدة خروج أسنانه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : شدّة .

وقال آخرون : معنى ذلك أنه خُلق منتصبا معتدل القامة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : في انتصاب ، ويقال : في شدّة .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا حرمي بن عمارة ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أخبرني عُمارة ، عن عكرِمة ، في قوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : في انتصاب ، يعني القامة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : منتصبا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، جميعا عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله بن شَدّاد ، في قوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : معتدلاً بالقامة ، قال أبو صالح : معتدلاً في القامة .

حدثنا يحيى بن داود الواسطيّ ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح خَلَقْنا الإنْسانَ في كَبَدٍ قال : قائما .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : فِي كَبَدٍ خُلِق منتصبا على رجلين ، لم تخلق دابة على خلقه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مُغيرة ، عن مجاهد لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : في صَعَد .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنه خُلق في السماء . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي كَبَدٍ قال : في السماء ، يسمى ذلك الكَبَد .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : معنى ذلك أنه خلق يُكابد الأمور ويُعالجها ، فقوله : فِي كَبَدٍ معناه : في شدّة .

وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب ، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب من معاني الكَبَد ومنه قول لبيد بن ربيعة :

عَيْنِ هِلاّ بَكَيْتِ أرْبَدَ إذْ *** قُمْنا وَقامَ الخُصُوم فِي كَبَدِ