قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ } : هذا هو المقسم عليه ، والكبد : المشقة .
قال الزمخشريُّ{[60209]} : والكَبدُ : أصله من قولك : كبدَ الرجل كبداً ، فهو أكْبَد ، إذا وجعت كبده وانتفخت ، فاتسع فيه ، حتى استعمل في كل تعب ومشقة ، ومنه اشتقت المُكابَدةُ ، كما قيل : كبته بمعنى أهلكه ، وأصله : كبده إذا أصاب كبده .
5211- يَا عَيْنُ هَلاَّ بَكَيْتِ أربَدَ إذْ *** قُمْنَا وقَامَ الخُصومُ في كَبدِ{[60210]}
أي : في شدة الأمر ، وصعوبة الخطب ؛ وقال أبو الإصبع : [ البسيط ]
5212- لِيَ ابنُ عَمٍّ لو أن النَّاس في كَبدٍ*** لظَلَّ مُحْتَجِزاً بالنَّبْلِ يَرْمينِي{[60211]}
قال القرطبيُّ{[60212]} : ومنه تكبَّد اللبن : غلظ واشتد ، ومنه الكبدُ ؛ لأنه دمٌ تغلظ واشتد ويقال : كابدتُ هذا الأمر قاسيت شدته .
قال ابنُ عباسٍ والحسنُ : «في كبدٍ » أي : في شدة ونصبٍ{[60213]} وعن ابن عباسٍ أيضاً : في شدّة من حمله ، وولادته ، ورضاعه ونبت أسنانه ، وسائر أحواله{[60214]} .
وروى عكرمةُ عنه قال : منتصباً في بطن أمه{[60215]} ، والكبدُ : الاستواء ، والاستقامة ، فهذا امتنان عليه في الحقيقة ، ولم يخلق الله تعالى دابة في بطن أمها إلاَّ منكبةً على وجهها إلا ابن آدم ، فإنه منتصب انتصاباً . وهو قول النخعي ومجاهد وغيرهما{[60216]} .
وقال يمان : لم يخلق الله تعالى خلقاً يكابد ابن آدم ، وهو مع ذلك أضعف الخلق .
[ وقال ابن كيسان : منتصباً في بطن أمه ، فإذا أراد الله تعالى أن يخرجه من بطن أمه قلب رأسه إلى رجل أمه .
وقال الحسن : كابد مصائب الدنيا ، وشدائد الآخرة ]{[60217]} .
قال بعضُ العلماء : أول ما يكابدُ قطع سرته ، ثم إذا قمط قماطاً ، وشد رباطاً ، يكابد الضيق والتعب ، ثم يكابد الارتضاع ، ولو فاته لضاع ، ثم يكابد نبت أسنانه ، وتحرك لسانه ، ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام ، ثم يكابد الخِتَان ، والأوجاع والأحزان ، ثم يكابد المعلم وصولته ، والمؤدب وسياسته ، والأستاذ وهيبته ، ثم يكابد شغل التزويج ، ثم يكابد شغل الأولاد ، والأجناد ، ثم يكابد شغل الدُّور ، وبناء القصور ، ثم الكِبر والهرم ، وضعف الركبة والقدم ، في مصائب يكثر تعدادها ونوائب يطول إيرادها ، من صداع الرأس ، ووجع الأضراس ، ورمد العين ، وغم الدَّينِ ، ووجع السن ، وألم الأذُنِ ، ويكابد مِحَناً في المال ، والنفس ، مثل الضرب والحبس ، ولا يمر عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة ، ثم يكابد بعد ذلك مشقة الموت ، ثم بعد ذلك مساءلة الملك ، وضغطة القبر وظلمته ، ثم البعث ، والعرض على الله ، إلى أن يستقر به القرار ، إما في الجنة أو في النار ، قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ } فلو كان الأمر إليه ، ما اختار هذه الشَّدائد ، ودل هذا على أن له خالقاً دبره ، وقضى عليه بهذه الأحوال ، فليتمثل أمره . وقال ابن زيد : المراد بالإنسان هنا آدم عليه السلام .
وقوله تعالى : { فِي كَبَدٍ } أي : في وسط السماء .
وقال الكلبيُّ : إنَّ هذا نزل في رجل من بني جمح ، يقال له : أبو الأشدين واسمه أسيد بن كلدة بن جُمَح ، وكان قوياً ، وكان يأخذ الأديم العكاظي ، فيجعله تحت قدميه ، فيقول : من أزالني عنه فله كذا ، فيجذبه عشرة حتى يتمزّق الأديم ، ولا تزول قدماه ، وكان من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم وفيه نزل : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } ، يعني : لقوته{[60218]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.