التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (4)

( 4 ) كبد : أصل معناها المشقة والشدة . وقد تعددت الأقوال التي أوردها المفسرون في معنى { لقد خلقنا الإنسان في كبد } منها أنها في صدد بيان طبيعة الإنسان في المشاقة والمكابدة . ومنها أنها في صدد ما في الإنسان من القوى التي تساعده على تحمل المشاق . ومنها أن تكون في صدد وصف ما يظل يتعرض له الإنسان من المحن ويندفع فيه من الكد والجهد في الحياة . ومنها أنها بمعنى انتصاب القامة الذي تميز به الإنسان . ولعل الاحتمال الأول هو الأوجه .

1

تعليق على عبارة

{ لقد خلقنا الإنسان في كبد }

وقد تفيد آية { لقد خلقنا الإنسان في كبد } أن الله قد جبل الإنسان على هذا الطبع غير المستحب ، ولقد احتوى القرآن آيات عديدة أخرى تضمنت التنديد بالطبائع غير المستحبة في الإنسان بأسلوب قد يفيد أن الله قد خلق الإنسان على هذه الطبائع مثل آيات سورة المعارج هذه : { إن الإنسان خلق هلوعا19 إذا مسه الشر جزوعا20 وإذا مسه الخير منوعا21 } وآية سورة الإسراء هذه : { ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا11 } وآية الكهف هذه : { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا54 } وآيات سورة العاديات هذه : { إن الإنسان لربه لكنود6 وإنه على ذلك لشهيد7 وإنه لحب الخير لشديد8 } وآيات سورة الفجر هذه { كلا بل لا تكرمون اليتيم17 ولا تحضون على طعام المسكين18 وتأكلون التراث أكلا لما19 وتحبون المال حبا جما20 } ويلحظ أن الآيات جاءت في معرض التنديد والتقريع للناس بسبب هذه الطباع مما يثير تساؤلا عما إذا كان من المعقول أن يندد الله سبحانه بطبائع خلق الإنسان عليها ؟ والمتبادر الذي يلهمه تنديد القرآن بهذه الطبائع ويلهمه سياق الآيات وروحها : أن هذه الآيات صيغ أسلوبية مما اعتاد الناس أن يخاطبوا بعضهم بعضا بها ، وأن المقصد الحقيقي منها هو التنديد بما يبدو من كثير من الناس من مثل هذه الأخلاق والطبائع غير المستحبة ، وأنه لا ينبغي حملها على محمل قصد بيان أن الله قد خلق الإنسان أو تعمد خلقه على هذه الطبائع التي ندد بها في مختلف المناسبات القرآنية ، ولا سيما أن الله سبحانه قد نبه في سياق الآية التي نحن في صددها وفي المناسبات المماثلة أن الله بين للناس طريقي الخير والشر والتقوى والفجور ، وأوجد فيهم قابلية بينهما وجعلهم مسؤولين عن اختيارهم وسلوكهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر ؛ مما مر منه أمثلة عديدة في المناسبات السابقة .