فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (4)

{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ } هذا جواب القسم ، والإنسان هو هذا النوع الإنساني ، والكبد : الشدّة والمشقة ، يقال كابدت الأمر : قاسيت شدّته ، والإنسان لا يزال في مكابدة الدنيا ومقاساة شدائدها حتى يموت ، وأصل الكبد الشدّة ، ومنه تكبد اللبن : إذا غلظ واشتد ، ويقال كبد الرجل : إذا وجعت كبده ، ثم استعمل في كل شدّة ومشقة ، ومنه قول أبي الأصبغ :

لي ابن عم لو أن الناس في كبد *** لظلّ محتجزاً بالنبل يرميني

قال الحسن : يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة . وقال أيضاً : يكابد الشكر على السرّاء ، ويكابد الصبر على الضرّاء ، لا يخلو عن أحدهما . قال الكلبي : نزلت هذه الآية في رجل من بني جمح يقال له أبو الأشدين ، وكان يأخذ الأديم العكاظي ويجعله تحت رجليه ويقول : من أزالني عنه فله كذا ، فيجذبه عشرة حتى يتمزّق ، ولا تزول قدماه ، وكان من أعداء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفيه نزل .

/خ20