البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِي كَبَدٍ} (4)

الكبد : الشدة والمشقة ، وأصله من كبد الرجل كبداً فهو أكبد ، إذا وجعه كبده وانتفخت ، فاستعمل في كل تعب ومشقة ، ومنه المكابدة . وقال لبيد :

يا عين هلا بكيت أربد إذ *** قمنا وقام الخصوم في كبد

وقال أبو الأصبع :

لو ابن عم لو أن الناس في كبد لظل محتجراً بالنبل يرميني -

{ لقد خلقنا الإنسان في كبد } : هذه الجملة المقسم عليها .

والجمهور : على أن الإنسان اسم جنس ، وفي كبد : يكابد مشاق الدنيا والآخرة ، ومشاقه لا تكاد تنحصر من أول قطع سرته إلى أن يستقر قراره ، إما في جنة فتزول عنه المشقات ؛ وإما في نار فتتضاعف مشقاته وشدائده .

وقال ابن عباس وعبد الله بن شداد وأبو صالح والضحاك ومجاهد : { في كبد } معناه : منتصب القامة واقفاً ، ولم يخلق منكباً على وجهه ، وهذا امتنان عليه .

وقال ابن كيسان : منتصباً رأسه في بطن أمه ، فإذا أذن له بالخروج ، قلب رأسه إلى قدمي أمه .

وعن ابن عمر : يكابد الشكر على السرّاء ، ويكابد الصبر على الضراء .

وقال ابن زيد : { الإنسان } : آدم ، { في كبد } : في السماء ، سماها كبداً ، وهذه الأقوال ضعيفة ، والأول هو الظاهر .