المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

116- وإن هذا المصير المؤلم لمن هم كذلك ، لأنهم أعداء الإسلام ، ومثله مثل من أشرك بالله ، وإن كل ذنب قابل للغفران إلا الشرك بالله ، وعبادة غيره ، ومعاندة رسوله في الحق ، فإن الله من شأنه المغفرة إلا أن يشرك به في عبادته ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وإن من يشرك بالله في عبادته وولائه فقد تاه عن الحق وبَعُدَ عنه كثيراً ، لأنه أفسد عقله ونفسه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

{ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ْ }

أي : ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ْ } بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية .

{ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ْ } وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ْ } أي : نتركه وما اختاره لنفسه ، ونخذله فلا نوفقه للخير ، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه ، فجزاؤه من الله عدلاً أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله .

كما قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ْ } وقال تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ْ }

ويدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول ، ويتبع سبيل المؤمنين ، بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين ، ثم صدر منه من الذنوب أو الهّم بها ما هو من مقتضيات النفوس ، وغلبات الطباع ، فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه بل يتداركه بلطفه ، ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ْ } أي : بسبب إخلاصه صرفنا عنه السوء ، وكذلك كل مخلص ، كما يدل عليه عموم التعليل .

وقوله : { وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ْ } أي : نعذبه فيها عذابا عظيما . { وَسَاءَتْ مَصِيرًا ْ } أي : مرجعا له ومآلا .

وهذا الوعيد المرتب{[237]}  على الشقاق ومخالفة المؤمنين مراتب لا يحصيها إلا الله بحسب حالة الذنب صغرا وكبرا ، فمنه ما يخلد في النار ويوجب جميع الخذلان . ومنه ما هو دون ذلك ، فلعل الآية الثانية كالتفصيل لهذا المطلق .

وهو : أن الشرك لا يغفره الله تعالى لتضمنه القدح في رب العالمين وفي وحدانيته وتسوية المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا بمن هو مالك النفع والضر ، الذي ما من نعمة إلا منه ، ولا يدفع النقم إلا هو ، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات .

فمن أعظم الظلم وأبعد الضلال عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته ، وصرف شيء منها للمخلوق الذي ليس له من صفات الكمال شيء ، ولا له من صفات الغنى شيء بل ليس له إلا العدم . عدم الوجود وعدم الكمال وعدم الغنى ، والفقر من جميع الوجوه .

وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي فهو تحت المشيئة ، إن شاء الله غفره برحمته وحكمته ، وإن شاء عذب عليه وعاقب بعدله وحكمته ، وقد استدل بهذه الآية الكريمة على أن إجماع هذه الأمة حجة وأنها معصومة من الخطأ .

ووجه ذلك : أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار ، و { سبيل المؤمنين ْ } مفرد مضاف يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال . فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه ، أو تحريمه أو كراهته ، أو إباحته - فهذا سبيلهم ، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه ، فقد اتبع غير سبيلهم . ويدل على ذلك قوله تعالى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ْ }

ووجه الدلالة منها : أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف ، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه فهو مما أمروا به ، فيتعين بنص الآية أن يكون معروفا ولا شيء بعد المعروف غير المنكر ، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء فهو مما نهوا عنه فلا يكون إلا منكرا ، ومثل ذلك قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس ْ } فأخبر تعالى أن هذه الأمة جعلها الله وسطا أي : عدلا خيارا ليكونوا شهداء على الناس أي : في كل شيء ، فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه ، فإن شهادتهم معصومة لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم ، فلو كان الأمر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم ولا عالمين بها .

ومثل ذلك قوله تعالى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ْ } يفهم منها أن ما لم يتنازعوا فيه بل اتفقوا عليه أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسنة ، وذلك لا يكون إلا موافقا للكتاب والسنة فلا يكون مخالفا .

فهذه الأدلة ونحوها تفيد القطع أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة ، ولهذا بيَّن الله قبح ضلال المشركين بقوله : { إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا . . .


[237]:- في ب: المترتب.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا} (116)

استئناف ابتدائي ، جعل تمهيداً لما بعده من وصف أحوال شركهم . وتعقيب الآية السابقة بهذه مشير إلى أنّ المراد باتّباع غير سبيل المؤمنين اتّباع سبيل الكفر من شرك وغيره ، فعقّبه بالتحذير من الشرك ، وأكّده بأنّ للدلالة على رفع احتمال المبالغة أو المجاز . وتقدّم القول في مثل هذه الآية قريباً . غير أنّ الآية السابقة قال فيها { ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } [ النساء : 48 ] وقال في هذه { فقد ضل ضلالاً بعيداً } وإنّما قال في السابقة { فقد افترى إثماً عظيماً } لأنّ المخاطب فيها أهل الكتاب بقوله : { يأيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم } [ النساء : 47 ] فنبّهوا على أنّ الشرك من قبيل الافتراء تحذيراً لهم من الافتراء وتفظيعاً لجنسه . وأمّا في هذه الآية فالكلام موجه إلى المسلمين فنبّهوا على أنّ الشرك من الضلال تحذيراً لهم من مشاقة الرسول وأحوال المنافقين فإنها من جنس الضلال . وأكِّدَ الخبر هنا بحرف ( قَدْ ) اهتماماً به لأنّ المواجه بالكلام هنا المؤمنون ، وهم لا يشكّون في تحقّق ذلك .

والبعيد أريد به القويّ في نوعه الذي لا يرجى لصاحبه اهتداء ، فاستعير له البعيد لأنّ البعيد يُقصي الكائن فيه عن الرجوع إلى حيث صدر .