المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

23- ويوم القيامة نأتي إلي ما عملوه من مظاهر البر والإحسان في الدنيا فنحبطه ونحرمهم ثوابه ، لعدم إيمانهم الذي به تعتبر الأعمال .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ } أي : أعمالهم التي رجوا أن تكون خيرا لهم وتعبوا فيها ، { فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } أي باطلا مضمحلا قد خسروه وحرموا أجره وعوقبوا عليه وذلك لفقده الإيمان وصدوره عن مكذب لله ورسله ، فالعمل الذي يقبله الله ، ما صدر عن المؤمن المخلص المصدق للرسل المتبع لهم فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

ثم أخبر تعالى عما يأتي عليه قضاؤه وفعله فقال حكاية عن يوم القيامة { وقدمنا } أي قصد حكمنا وإنفاذنا ونحو هذا من الألفاظ اللائقة ، وقيل هو قدوم الملائكة أسنده إليه لأنه عن أمره ، وحسنت لفظة { قدمنا } لأن القادم على شيء مكروه لم يقدره ولا أمر به مغير له مذهب ، وأما قول الراجز :

وقدم الخوارج الضلال . . . إلى عباد ربنا فقالوا :

إن دماءكم لنا حلال . . . {[8809]} فالقدوم فيه على بابه ، ومعنى الآية وقصدنا إلى أعمالهم التي هي في الحقيقة لا تزن شيئاً إذ لا نية معها فجعلناها على ما تستحق لا تعد شيئاً وصيرناها { هباء منثوراً } أي شيئاً لا تحصيل له ، والهباء هي الأجرام المستدقة الشائعة في الهواء التي لا يدركها حس إلا حين تدخل الشمس على مكان ضيق يحيط به الظل كالكوة أو نحوها ، فيظهر حينئذ فيما قابل الشمس أشياء تغيب وتظهر فذلك هو الهباء ، ووصفه في هذه الآية ب { منثور } ، ووصفه في غيرها ب «منبث »{[8810]} ، فقالت فرقة هما سواء ، وقالت فرقة المنبث أرق وأدق من المنثور لأن المنثور يقتضي أن غيره نثره كسنابك الخيل والريح أو هدم حائط أو كنس ونحو ذلك ، والمنبث كأنه هو انبث من دقته ، وقال ابن عباس{[8811]} الهباء المنثور ، ما تسفي به الرياح وتبثه ، وروي عنه أنه قال أيضاً الهباء الماء المهراق والأول أصح والعرب تقول أهبات الغبار والتراب ونحوه إذا بثثته وقال الشاعر { الحارث بن حلزة اليشكري ] : [ الخفيف ]

وترى خلفها من الربع والوق . . . ع منيناً كأنه أهباء{[8812]}

ومعنى هذه الآية جعلنا أعمالهم لا حكم لها ولا منزلة .


[8809]:استشهد أبو عبيدة بهذا الرجز في (مجاز القرآن) وابن عطية يرى أن القدوم في الرجز على بابه، أما في الآية فإن القدوم يقصد معه التغيير لشيء مكروه.
[8810]:وذلك في الآية رقم (6) من سورة الواقعة، حيث يقول تبارك وتعالى عن الجبال: {فكانت هباء منبثا}.
[8811]:هو ابن عباس رضي الله عنهما.
[8812]:البيت للحارث بن حلزة، وهو من معلقته التي ألقاها في مجلس عمرو بن هند، وبدأها بقوله: آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء والبيت في وصف ناقته التي آنست صوتا وأفزعها القناص وقد دنا الإمساء كما يقول في البيت السابق، والرجع: رجع قوائمها، والوقع: وقع خفافها، والمنين: الغبار الدقيق، والأهباء: الغبار المتفرق، يقول: لقد هربت، وجعلت تعدو بسرعة مثيرة خلفها الغبار الرقيق المتفرق. هذا – وكلمة (هباء) ليست من ذوات الهمز، وإنما همزت لالتقاء الساكنين، ولهذا يقال في التصغير: هبي في موضع الرفع، والواحد هباة، والجمع أهباء، ويؤيد هذا بيت الحارث المذكور.