الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

ليس ههنا قدوم ولا ما يشبه القدوم ، ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم ، وإغاثة ملهوف ، وقرى ضيف ، ومنّ على أسير ، وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم بحال قوم خالفوا سلطانهم واستعصوا عليه ، فقدم إلى أشيائهم ، وقصد إلى ما تحت أيديهم فأفسدها ومزقها كل ممزق ، ولم يترك لها أثراً ولا عثيراً ، والهباء : ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيه الغبار . وفي أمثالهم : أقل من الهباء { مَّنثُوراً } صفة للهباء ، شبهه بالهباء في قلته وحقارته عنده ، وأنه لا ينتفع به ، ثم بالمنثور منه ، لأنك تراه منتظماً مع الضوء ، فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب كل مذهب . ونحوه قوله : { كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ } [ الفيل : 5 ] لم يكف أن شبههم بالعصف حتى جعله مؤوفاً بالأكال ولا أن شبه عملهم بالهباء حتى جعله متناثراً ، أو مفعول ثالث لجعلناه جامعاً لحقارة الهباء والتناثر ، كقوله : { كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين } [ البقرة : 65 ] ، [ الأعراف : 166 ] أي جامعين للمسخ والخسء . ولام الهباء واو ، بدليل الهبوة .