البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَدِمۡنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنۡ عَمَلٖ فَجَعَلۡنَٰهُ هَبَآءٗ مَّنثُورًا} (23)

الهباء قال أبو عبيدة والزجاج : مثل الغبار يدخل الكوة مع ضوء الشمس .

وقال ابن عرفة : الهبوة والهباء التراب الدقيق .

وقال الجوهري يقال منه إذا ارتفع هبا يهبو هبواً ، وأهبيتُه أنا إهباءً .

وقيل : هو الشرر الطائر من النار إذا أضرمت .

النثر : التفريق .

وحسنت لفظة { قدمنا } لأن القادم على شيء مكروه لم يقرره ولا أمر به مغير له ومذهب ، فمثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف ، ومنّ علي أسير .

وغير ذلك من مكارمهم بحال قوم خالفوا سلطانهم فقصد إلى ما تحت أيديهم فمزقها بحيث لم يترك لها أثراً ، وفي أمثالهم أقل من الهباء و { منثوراً } صفة للهباء شبهه بالهباء لقلته وأنه لا ينتفع به ، ثم وصفه بمنثوراً لأن الهباء تراه منتظماً مع الضوء فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب .

وقال الزمخشري : أو جعله يعني { منثوراً } مفعولاً ثالثاً لجعلناه أي { فجعلناه } جامعاً لحقارة الهباء والتناثر .

كقوله { كونوا قردة خاسئين } أي جامعين للمسخ والخسء انتهى .

وخالف ابن درستويه فخالف النحويين في منعه أن يكون لكان خبران وأزيد .

وقياس قوله في جعل أن يمنع أن يكون لها خبر ثالث .

وقال ابن عباس : الهباء المنثور ما تسفي به الرياح وتبثه .

وعنه أيضاً : الهباء الماء المهراق والمستقر مكان الاستقرار في أكثر الأوقات .